adsense

2017/04/30 - 12:23 م



بقلم الأستاذ حميد طولست


السيد الوزير من منطلق تقديرنا لعمق وضخامة المسؤولية الموكولة اليكم ، نهنئكم بالثقة الملكية الغالية التي حضيتم بها ونهنئ أنفسنا وزارة التعليم بكم ، ونثمن الخطوات الاصلاحية القيمة التي أقدمتم عليها مباشرة بعد توليكم الوزارة ، وعلى رأسها مراجعة كتب التربية الإسلامية ، الذي تطلع إليه عموم المواطنين المغاربة ، وعلى الأخص منهم رجال التعليم وأباء وأولياء التلاميذ الذين يقرون أنها خطوة جبارة ليس لإصلاح التعليم ، بل والمجتمع بكامله ، ولكنها  سيبقى ناقصا إذا لم تتبعونها بما ينتظر منكم تنزيله من مشاريع نموذجية في المؤسسات التعليمية ، والتي من بينها "المكتبة المدرسية" التي نريد برسالتنا هذه اثارة انتباهكم الى ما تحتاجه فضاءاتها ومحتوياتها والقيمن عليها ، من اصلاحات و تعديلات ، ترتقى بمجالها ، وتشجيع المتمدرسين على ارتيادها والاستفادة من محتوياتها من الكتب وباقي وسائل الوصول للمعرفة والمعلومة المفيدة لاحتياجات المتعلمين على اختلاف أنواعها و مختلف نواحيها ، الوجداني  والعقلي والاجتماعي والسلوكي والصحي ، لهو ، السيد الوزير ، من اخطير الأمور التي توليها البلدان المتقدمة بالغة الأهمية ، كمرفق من أهم مرافق المدرسة النموذجية التي تتبع الأساليب والطرق التربوية الحديثة ، ووسيلة من أهم الوسائل التي يستعان بها على تحقق المفهوم الحديث للمناهج الدراسية بمعناها الواسع ، لما ترتكز عليه من العديد من العمليات التعليمية والأنشطة التربوية ، التي تؤدي دورا فاعلا في تحقيق أهداف المدرسة ، وتساهم بفاعلية في انتقال البلدان المهتمة بمكتبات مدارسها ، تنظما وإعدادا ، نحو الرقي والصعود ، بينما تتخلف عن الرقي والصعود ، كل البلدان التي لا مكان ولا أثر للمكتبة المدرسية في اهتمامات مسؤوليها ، ولا محل لها في انشغالاتهم الفردية والمؤسساتية ، والتي يتجاهل أو يتغافل الكثير منهم ، عن حاجة المعلمين والمتعلمين لخدماتها الجليلة في تحقيق المفهوم الحديث للمنهج التعليمي ، والذي ليس باستطاعة أي مؤسسة تعليمية بلوغه بدون مكتبة معدة إعدادا جيدا ، ومزودة بما يناسب تلامذتها من مؤلفات ومراجع ومقررات ، التي تمكنهم من اكتساب مهارات  القراءة والبحث والحصول على المعلومات، و صدق من قال أن أمةً لا تهتم بمكتبات مدارسها ، لا مكان لها في وجدان البشرية ، ولن يحترمها التاريخ.
ولا شك السيد الوزير المحترم ، بأن أخطر أسباب تخلف المدرسة المغربية ، ليس هو انعدام الاهتمام بمكتباتها ، بل ذاك الاهتمام السقيم الذي يبديه مسؤولو التعليم في بلادنا مناسباتيا ، وترك أمر تدبيرها لمن لا خبرة لهم في تسيرها ، ولا يعرفون جطورتها ، ويـراعون حـرمتها لا مهنيا ولا ضـميرا ، إلى جانب نوعية ما تزود به -بحسن نية أو سوئها ، أو عن جهل وهو الأعم في غالب الأحوال- من كتب ومراجع مشبوهة الانتماءات ، متحيزة التوجهات ، تمس العقيدة الصحيحة ، وتطعن في الانتماء للوطني ، وتعاند مسايرة المتغيرات الكثيرة والمتلاحقة التي يعرفها العصر ، حيث إذا دخلتم أي مكتبة مدرسية في أي مؤسسة تعليمية ، وفي أي جهة من المغرب كانت ، فلن تجد إلا أصناف الكتب ذات القوالب الجاهزة ، التي لا تتناسب ومستويات عقول المتلقين الطرية ، ولا تساير ميولاتهم الطفلية الفطرية ، والتي يتوه معها وفيها العقل ، كدخائر كتيبات "عذاب القبر" ، و"الثعبان الأقرع ، أو الأعور" ، و"المسيح الدجال" ، ومؤلفات القتل والجهاد في سبيل الله ، ونفائس كتب الهوس الجنسي المبشرة بالحور العين والولدان المخلدون المعششة في الخيالات المريضة لمؤلفين عاشوا ولازالوا يعيشون في مراحل حضارية جنينية ، وكل منشورات الخرافة ولاعقلانية المسلمات الغيبية التي كانت وراء تأسيس القاعدة ولقيطاتها داعش ، وجبهة النصرة ، وبكوحرام ، وغير ذلك من المؤلفات التي حولت الكثير من بسطاء العقول  إلى روبوتات بشرية - ضحايا آلهة الشر – التي تنفذ ما يملى عليها من قتل للأبرياء وقتل أنفسهم ، وعلى رأس تلك الكتب التراثية مؤلفات ابن تيمية والتي كلنا يتصور مصير التلاميذ ، الذين يعثرون عليها بين محتويات مكتبات مدارسهم ، سواء صدفة أو بتوجيه من معلميهم ،ويطلعون عليها ، ويتشبعون بما فيها من دعوات للتطرف والقتل ، منذ صغر سنهم ..
لذا اسمحو لي السيد الوزير أن أدعوكم لحث المدراء على الاهتمام "الحقيقي" بالمكتبات بمؤسساتهم  ، بالرفع من مستوى ما تحويه رفوفها من غث الكتب وتوافه المؤلفات ، واستبداله بما هو صالحة بمستويات التلاميذ ومدرسيهم ، من الكتب التي تخاطب عقولهم الصغيرة ، وتحترم مشاعرهم وميولاتهم الطفلية ، كأول نوع من فضاءات التعلم التي تقابلهم في حياتهم ، والتي سيتوقف علاقتهم بالمكتبات الأخرى الموجودة في المجتمع على مدى تأثرهم بها ، وانطباعهم عنها .
وأختم رسالتي لجنابكم الوقر بقولة المفكر اللبناني ميخائيل نعيمة : " لكي يستطيع الكاتبُ أن يكتب والناشرُ أن ينشر، فلابد من أمةٍ تقرأ ، ولكي تكون لنا أمةٌ تقرأ لابد من حكاّم يقرؤون ".