adsense

2017/04/16 - 12:34 ص



بقلم حميد طولست


مباشرة بعد محاولة الانقلاب السياسي، الذي قاده القيادي حمدي ولد الرشيد وأتباعه ، ضد الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط ، إرتفعت ، دون رَوِيَة أو تَفْكيرَ أو بَحْتَ واجتهادَ ، أصوات الكثير من رموز معارضي شباط ، السياسيين منهم والمدنيين، مهللين مطبيلين مباركين في فرح وسرور، نجاح عملية العزل السياسي ،الموقوف التنفيذ ، الذي تخيلوا أنهم أنزلوه بأمينهم العام ، الظن الذي تبعهم فيه بعض الاستقلاليين والعديد من المهتمين بالسياسة من غير المتحزبين والذي يعتبر أن "حميد شباط"، الرقم الصعب الذي يُضرب له ألف حساب داخل حزب الاستقلالي وخارجه ، قد فلت زمام الأمور من يده ،  ولم يعد قادرا على تدبير وقيادة الحزب ، الظن نفسه الذي تسرب إلى خواطر بعض مواليه والدائرين في فلكه ، الذين اقتنعوا بأن الحظ قد تخلى عنه ، وأن الظروف الصعبة قد أحكمت قبضتها عليه وأصبح نهباً للهزائم ، تمام كما توهم معارضوه والمختلفون معه ، أن جهات قوية أسقطته أو تكادت، من على كرسي سلطانه وحطت من نفوده وجاهه ، فلم يبق واحد من بين خصومه الخائفين من جبروته ، إلا وخرج لانتقاده، ولا حاسد مرعوب ، إلا واستأسد على نكسته، ولا صحفي مغمور متوار، إلا وأشهر قلمه المكسور في ظهره ، ولا حقير مغلول ، إلا وقرر التأهب للانتقام منه ، ولا مبتدئ في الهجاء أو متدرب على الإنشاء إلا وجرد لسانه لذكر مساوئه، حتى أولئك الذين شاركوه القرارات وقاسموه الخطط و السياسات وزينوا التجاوزات وبرروا الخرقات من زبانيته، ضبطوا هم أيضا موجاتهم على المرحلة الجديدة، وحولوا تأييدهم للقائد همام، إلى مسايرة مبطنة بالخوف والنفاق، وقلصوا من إشاداتهم بخطواته وتحركاته، وقللوا من تصفيقاتهم وضحكاتهم على نكاته حتى "الباج "منها، وعدلوا عن تبرير تصرفاته وأقواله،وتمنى الكثير منهم –الذين إنكووا ربما بجوره  و"حاشياته"- لو تمكنوا منه لأشبعوه ركلا ورفشا ودفشا على طريقة ملشياته.. وحمد الكثيرون الله على جاذبية الأرض، وقانون تساقط الأجسام المعروف بـ"الخاصية الفيزيائية للسقوط"، الذي يسقط الأشياء بهد ارتفاعها .
لكن شباط داهية ، مثله مثل الرياح ، يجري بما لا يشتهيه خصومه ومنافسوه ، حيث أنه سرعان ما إنتفض كطائر الفنيق من رماده، شاهرا ،كعادته، أمضى أسلحته وأكثرها فتكا وتدميرا في وجه اعتقادات خصومه، وتخمينات منافسيه، وتخيلات أعدائه ، مكذبا ظنون المتوهمين بانتهاء زمانه، مفندا مزاعم الحالمين بسقوط سلطانه، مسفها أحلام منافسيه المنتظرين كبوة جواده ، متوعدا المتسرعين للاحتفال بالنصر عليه ، دون أن يقرؤوا السياق التاريخي لفكره الشباطي  ، أو يستلهموا مغزى ومعنى ما أقدم عليه مع خصمه من أرْيَحِيَة التسامُح، وسخاء الدعاء للحوار والنقاش ، الذين لم يستوعبوا ما حملت في طيَّاتِها من تَلْبِيسٍ لا يعدو سوى حركات تَسْخِينية تسبق إعلان حرْب الانتقام، ومقدمة لمعركة -على وشك الاندلاع- ستحرق ما تبقى مما لم تلتهمه حرائق الدسائس والمؤامرات من الحزب .
وحتى لا يفهم كلامي خطأ ، فأنا هنا لا أدافع عن شباط ولا أشمت في غيره، وقد كان من رفاقي في النقابة والحزب، زمن النضال النقابي والحزبي النقي الصادق، قبل أن تدفع به المكانة التي يجد نفسه فيها، والرغبة في إشعار الآخرين بالامتياز عليهم- ولو لم يكن لهذا الامتياز وجود في الواقع، وكان مجرد انتفاخ بغير منطق، وتطاول بغير مسوغ، وتعالٍ بغير حق- إلى الاستعلاء الذاتي على الأقران والنظراء، حتى الذين كانوا فوقه درجات.
لكن الأمر بيّن وواضح ، ويُشير إلى أن ما يجري أكبر مما يتصوَّرُه أولئك الذين ، من فرط بهجتهم أو تخبطهم ، أتاحوا له فرصةً ذهبيةً للخروج من المأزق الخانق الذي إعتقدوا جميعهم ، أنه لن يعرف كيف يغادره هذه المرة ، وأنه "مشى فيها" ، فاستطاع بدهائه الخارق ، ان يلتوي على قرارات الحزب بعزله ، بإحتوائه ولد الرشيد والايقاع برفاقه بتقنية متطورة ، عبر مبعوثيه ، ما أعطاه فرصة ذهبية لتأسيس لوبي جديد لصد كل تمرد ، أو إحتجاج ضد تواجده بالأمانة العامة للميزان.
كيف لا وهو هو ، شباط الخطير، الذي لن تجد سياسيا ، حتى من الكبار ، إلا و شبطه ثم صالحه فيما بعد ،لمعرفته -  بحكم مساره و تجربته - كيف تسير الأمور بحزبه وفي عموم الأحزاب المغربية ، حيث تتضارب المصالح وتسيطر الذاتية على المصلحة العامة، وتغدو خدمة النفس هي الأسمى، لايهم من الضحية في الأخير ولا يهم على حساب من نبني نجاحنا، كل ما يهم أن ننجح ونحقق أهدافنا وغاياتنا المشروعة وغير المشروعة.
فتحية لشباط، رغم أنني لا أتفق معه على كيفية ممارسته للسياسة، لكنه على الأقل لم ينبطح كما فعل الكثير من قادة الأحزاب بمختلف تلويناتها.