adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/07/08 - 11:12 ص

. بقلم الأستاذ حميد طولست

في الآونة الأخيرة، بدأت مؤشرات حملة تطهير مرتقبة تطفو على السطح، تجلّت في عدد من المحاكمات والمصادرات التي طالت شخصيات محسوبة على دوائر النفوذ. هذه التطورات لم تمر مرور الكرام على "حيتان الفساد"، بل دفعتها، وفق تسريبات وتقارير غير رسمية، إلى التسريع بعمليات "تهريب الثروات" المشبوهة نحو الخارج، أو توزيعها على الأقارب والمقرّبين، تحسّبًا لزلزال سياسي أو قضائي قادم.

منذ سنوات، والمغاربة يتابعون –بألم واستغراب– كيف تتبخر المليارات من خزينة الدولة تحت مسميات متعددة: دعم المحروقات، إصلاح الملاعب، مهرجانات ثقافية وسياحية، مشاريع "تنموية" لم يرَ المواطن منها سوى الشعارات، وصناديق اجتماعية تنهار الواحدة تلو الأخرى مثل  الـ CNOPS وغيرها. ومع ذلك، لا صوت يُسمع سوى صدى التقارير الرسمية، أما التحقيقات الجدية والمساءلة الفعلية، فغائبة أو متعثرة عمدًا.

في عهد حكومة أخنوش، كما في بعض ما سبقها، بلغ الفساد مستويات غير مسبوقة من الجرأة والعلنية. فالمليارات تنفق على مشاريع "مجهولة المردودية"، ويُفتح التحقيق في ملفات ثم تُغلق دون محاسبة حقيقية. أما مشروع قانون الإثراء غير المشروع، الذي كان أملًا لدى فئة واسعة من المغاربة، فقد سُحب بهدوء، دون تفسير مقنع، وتبعه منع الجمعيات من التبليع عن الفساد ، وكأنّ في الأمر اتفاقًا ضمنيًا لحماية "الأثرياء الجدد" من أسئلة الإزعاج ، من أين لكم هذا؟.

ليس من المعقول أن يقف المواطن العادي، الذي يعمل ليل نهار ويتنقل بين حافلات مكتظة ووظائف مرهقة، ويجد نفسه يُقارن بمسؤولين لا يمارسون أي نشاط تجاري، ومع ذلك راكموا ثروات طائلة. لسنا هنا بصدد الحديث عن من يملك منزلًا أو عقارًا متواضعًا، بل عن أصحاب المليارات، وحديثي العهد بالمسؤولية العمومية. كيف حصل ذلك؟ وكيف يُمكن لراتب حكومي –مهما ارتفع– أن يتحول إلى ثروة تُشبه ثروات أصحاب الشركات العابرة للقارات؟

إن كانت هذه الثروات شرعية، فلماذا لا تُقدَّم نماذجها في الجامعات المغربية، ليُدرس الطلبة كيفية "الاغتناء المسؤول والقانوني في وقت قياسي"؟ وإذا ثبت أنها غير شرعية، فالمطلوب ليس فقط المحاسبة، بل مصادرة الأملاك، وتعويض الخزينة المنهوبة.

اليوم، لم يعد من المقبول هذا السكوت الجماعي، ولا يمكن للسكوت أن يُفسر إلا بشيئين: الخوف، أو التواطؤ.

ففي المغرب، هناك فئة من الشرفاء والمواطنين النزهاء، تشتغل في صمت، وتعطي للوطن من وقتها وجهدها وعرقها، وهؤلاء لهم منا كل التقدير والاحترام. لكن في المقابل، هناك فئة طفيلية، اتخذت من مناصبها وسيلة للاسترزاق غير المشروع، وسكتت عنهم المؤسسات، وساعدهم الصمت الشعبي والتطبيع مع الفساد.

إن لحظة المساءلة الحقيقية لا يمكن أن تُبنى على الانتقائية أو تصفية الحسابات، بل على الشفافية الكاملة، والعدالة العادلة، ومحاسبة كل من أثرى من المال العام دون وجه حق. على الحكومة أن تُجيب بوضوح: من أين لكم هذا؟ ومن المسؤول عن سحب قانون الإثراء غير المشروع؟ ولماذا كل هذا الغموض في تتبع أموال الدعم وصناديق الدولة؟

وفي انتظار أجوبة شافية، سيبقى المواطن المغربي يردد، بمرارة وسخرية صادقة:اللهم أن هذا لمنكر ..