adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/07/09 - 11:44 ص

بقلم الأستاذ حميد طولست

في لحظة سياسية يفترض فيها أن تكون الأحزاب أدوات تأطير للمواطنين، وقنوات للتفاعل مع المؤسسات، اختار الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، أن يطلّ من منصة حزبه ليعيد إنتاج مفارقة مثيرة: التنصل من "المخزن" والتغذي عليه في الوقت ذاته.

ففي ندوة صحفية خُصصت لمناقشة مشروع تعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية – وهو مشروع في صميم العمل "المخزني" والدولتي بامتياز – استغل بنكيران المنبر ليؤكد أن عائلته "لا تشتغل مع المخزن"، وذهب أبعد من ذلك بالقول إن والديه أوصياه منذ الصغر بعدم العمل مع "المخزن"، وكأننا أمام مؤسسة مشبوهة أو كيان مُدان أخلاقياً يجب تجنبه.

هذا التصريح، الذي جاء في معرض نفي عمل ابنته سمية في وظيفة حكومية، يطرح أكثر من علامة استفهام: هل أصبح العمل في مؤسسات الدولة وصمة عار؟ وهل نحن أمام دعوة ضمنية لمقاطعة العمل في دواليب الدولة، التي يفترض أن يشجع السياسيون الشباب والكفاءات على الانخراط فيها من أجل الإصلاح من الداخل؟

الغريب أن بنكيران نفسه لم يقطع يوماً علاقته بـ"المخزن"، لا من قريب ولا من بعيد. فقد شغل رئاسة الحكومة، ويتقاضى إلى اليوم معاشاً استثنائياً من المال العام يقدّر بسبعة ملايين سنتيم شهرياً، كما استفاد نجله من منحة دراسية سمينة لمتابعة دراسته في الخارج على حساب خزينة الدولة. أليس هذا من "كرم المخزن" الذي يُحرّم على الآخرين الاقتراب منه؟

ما يثير القلق أكثر هو التناقض الصارخ بين الخطاب والممارسة: فمن جهة يتحدث بنكيران عن استقلاله وعائلته عن المخزن، ومن جهة أخرى لا يخجل من الاستفادة من كل امتيازاته. ومن جهة ثالثة، يقدّم هذا التباعد عن المؤسسات على أنه قيمة أخلاقية رفيعة، وكأن من يعمل في القضاء أو التعليم أو الصحة أو الإدارة الداخلية، شخص باع ذمته وخان وطنه!

والأخطر أن مثل هذا الخطاب قد يُفهم – سواء عن قصد أو عن تهور – على أنه تحريض ضد الدولة ومؤسساتها، وتصويرها كطرف غير وطني أو مشبوه، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى ترميم الثقة بين المواطنين والدولة، لا إلى تمزيقها بخطابات الازدواجية والوصاية الأخلاقية.

قد يُعذر المواطن العادي إذا حمل رأياً مشوشاً حول الدولة، لكن لا يُعذر زعيم سياسي كان يوماً على رأس السلطة التنفيذية، وتقلد مسؤولية جسيمة يفترض أنها تُحتم عليه الدفاع عن الدولة ومؤسساتها لا التنكر لها.

لقد آن الأوان لطرح السؤال بوضوح:هل نريد أحزاباً تُربي الناس على الازدراء الخفي لمؤسساتهم، أم أحزاباً مسؤولة تربيهم على العمل والإصلاح من داخلها؟

العمل مع الدولة ليس نقيصة، بل هو في صلب المواطنة. النقيصة الحقيقية أن تُشيطن الدولة صباحاً، وتقبض منها مساءً.