adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/07/06 - 10:09 ص

بقلم الأستاذ حميد طولست

ويسألونك عن الرعاع فقل: هم لغةً، فئة من الناس تتصف بالغوغائية وقلة الوعي، وغالبًا ما يتبعون كل ناعق، ويُثارون بالشائعة، ويُحرّكون بالعاطفة، ويُستثمرون في الفتن والصراعات، دون روية أو نظر في العواقب.

ولفظًا، فإن مصطلح "الرعاع" ليس شتيمة بقدر ما هو توصيف لحالة اجتماعية ونفسية وفكرية، تتكرر في كل مجتمع وزمن، حين يُغيب العقل، وتُقدّس الشعارات، وتُهمل القيم، ويُستبدل الهدى بالهوى. .....ومن صفاتهم أنهم قليلو علم، يتحدثون في كل شيء دون بنية معرفية، مندفعون بالعاطفة، يتخذون مواقف بناءً على الحماسة لا على البصيرة، سريعو التلقف والتصديق، يروجون كل ما يُقال دون تثبت أو تحقيق، ويستعملون العنف اللفظي أو المادي في مواجهة من يخالفهم الرأي.

الرعاع لا مرجعية لهم سوى أهوائهم، أو من يُغذي تلك الأهواء، وغالبًا ما يُستخدمون كأداة لهدم المجتمعات، وتفتيت الصفوف، وتدمير القيم. لا يميزون بين عدو وصديق، ولا بين حق وباطل. فلا يجب أن يُسلَّم لهم القرار، ولا أن يُستثاروا في الأزمات، وإلا أصبح التافه قائدًا، والمغفّل مرشدًا، والمجتمع كله على شفا انهيار.

لقد اجتاحت هذه الفئة من الرعاع اليوم فضاءات السوشيال ميديا، مستغلة سهولة الوصول إلى الرأي العام، ناشرة الأفكار السامة الهدامة المحرضة على الفتنة، موجهة سهامها لا إلى خصم خارجي، بل إلى قلب الدولة نفسها. ومن أمثلة هذا التحريض السافر، ما جاء على لسان أحد هؤلاء، المدعو "ويحمان"، في إحدى المسيرات التي استُغلت -كالمعتاد -لركوب موجة مناصرة القضية الفلسطينية، حيث صرخ قائلًا: "لعنة الله، ولعنة الشعب على المطبعين."

فهل يدرك هذا الرجل خطورة ما يتفوه به؟ وهل يظن أن استحضار "لعنة الشعب" ليس تحريضًا مباشرًا ضد الدولة ورموزها؟ أليس من قرر خيار التطبيع هو رأس الدولة المغربية، جلالة الملك محمد السادس نصره الله، بصفته رئيسًا للدبلوماسية المغربية، وسيد القرار السيادي؟!

ما يدعيه قوله باعة الشعارات، من أمثال ويحمان وأمثاله ، ليس سوى قناع زائف لـ"ممانعة" كاذبة، تخدم أجندات خارجية لا تخفى على أحد. هؤلاء لا يدافعون عن فلسطين، بل يتخذونها مطية للتحريض على النظام، والطعن في مؤسسات الدولة، ومحاولة شرخ العلاقة التاريخية بين العرش والشعب.

الملك محمد السادس، حفظه الله، لا يحتاج إلى دروس في "الوفاء لفلسطين" من رعاع غوغائيين، يجهلون ألف باء الجغرافيا السياسية. فرئاسة جلالته للجنة القدس ليست منصبًا شرفيًا، بل مسؤولية تُترجم في الميدان دعمًا ملموسًا للشعب الفلسطيني، بعيدًا عن الصراخ الأجوف والتجارة بالدم.

إن خيار قرار استراتيجي في مصلحة الوطن ، ولم يكن خيانة ولا استسلامًا، بل ورقة سيادية قرّرتها الدولة المغربية لخدمة مصلحة الوطن العليا، خاصة في ملف الصحراء المغربية، وفي ميزان العلاقات الإقليمية. المغرب لا يفرّط في ثوابته، لكنه أيضًا دولة عاقلة، تقرأ التوازنات الدولية، وتُقدّر ما يحاك في الكواليس.

من أراد أن يعارض، فليعارض بعقل، لا بلعنة. أو باحريض الناس على اختيارات الدولة باسم “الممانعة”، التي ليست من الوطنية في شيء وإنما هي تشويه لمؤسسات للبلد، وخدمة لأجندات مشبوهة، تنطلق من قم وطهران أكثر مما تنطلق من القدس وغزة.

إن الشعب المغربي أذكى وأوعى من أن يُخدع بشعارات جوفاء، أو أن يُستدرج خلف من فقدوا البوصلة، وارتضوا أن يكونوا مطية لأعداء الوطن. المغرب ليس دولة شعارات، بل دولة قرار، ودولة مؤسسات، والشعب كله مع الملك، ومع الوطن، ومع السيادة، ولن ينجرف إلى متاهات رعاع لا همّ لهم إلا إشعال الفتن.

كفى عبثًا. كفى ركوبًا على القضايا. كفى حديثًا باسم “الشعب” دون تفويض. فالشعب المغربي يعرف من يخدمه، ومن يخدعه. يعرف من يُدافع عن قضاياه بالحكمة، ومن يتاجر بها بالشعارات.

الرعاع لا مستقبل لهم… إلا في الزوايا المظلمة من تاريخ الشعوب.