متابعة حميد طولست
في زمن تزايدت فيه محاولات التوظيف
السياسي للقضايا العادلة، تبرز ما يُعرف إعلاميًا بـ"قافلة التضامن المغاربي
إلى غزة"، التي انطلقت من تونس في اتجاه معبر رفح، كمثال صارخ على هذا
التوظيف، خاصة بعد أن تبين أنها لا تحمل لا غذاءً ولا دواءً ولا غطاء، كما أقرّ
عدد من منظميها. فأي جدوى لقافلة لا تحمل ما يحتاجه الغزيون المحاصرون؟ ومن يقف
وراءها؟ وما الغايات الحقيقية الكامنة خلف هذه الضجة؟
منذ اللحظات الأولى لانطلاقها، أثارت
القافلة تساؤلات عديدة حول طبيعتها وأهدافها، خصوصًا بعدما تبيّن أنها تضم نشطاءً
من خلفيات متباينة، بعضهم معروف بمواقفه المعادية للوحدة الترابية المغربية، وهو
ما تجلى في نشر خرائط مبتورة للمغرب تُقصي أقاليمه الجنوبية، داخل مواد دعائية
تابعة للقافلة، في تجاوز صريح لثوابت وطنية حساسة، وتحويل لقضية غزة إلى منصة
لتمرير أجندات انفصالية.
ما يدعم الشكوك حول خلفية هذه القافلة،
هو ما أوردته تقارير دولية وإعلامية مثل مجلة جون أفريك الفرنسية، التي كشفت عن
تحركات جزائرية لتمرير المئات من عناصر جبهة البوليساريو إلى دول مجاورة كمصر
وليبيا وتونس، ضمن خطط تدريب وإعادة توزيع، خاصة مع تعثر السيطرة على الجبهة
داخليًا وتنامي المخاوف الجزائرية من خروجها عن الطاعة.
اختيار الجزائر لتونس كنقطة انطلاق، لم
يكن بريئًا بحسب مراقبين. فالعلاقات العضوية بين النظامين تجعل تونس اليوم، وفق
هؤلاء، بمثابة "محمية سياسية" تتحرك وفق أجندة قصر المرادية. كما أن
القافلة تم تجنيد إمكانيات مالية ولوجستيكية لافتة لها، دون أن يعرف الرأي العام
مصدر هذا التمويل.
السؤال الآخر الذي يطرح نفسه هو: لماذا
تم اختيار المرور عبر مصر، بكل ما يمثله ذلك من تحديات بيروقراطية وسياسية، ولم
يتم اعتماد الطريق البحري كما فعلت سفينة "ماريان" أو
"مادلين" سابقًا؟
الجواب قد لا يتعلق فقط بالجغرافيا، بل
بالسياق السياسي. فحسب التحليل الأمني، يبدو أن الجزائر تحاول افتعال توتر مصطنع
مع السلطات المصرية، وجرّها إلى إحراج دبلوماسي، يوحي بأنها تقف ضد الفلسطينيين،
بينما تُستخدم القافلة كحصان طروادة لتلميع أطراف انفصالية وإدخال عناصر مدربة من
البوليساريو نحو سيناء، في لحظة حساسة تتزامن مع محاولات مغربية لتصنيف هذه الجبهة
كتنظيم إرهابي على المستوى الدولي.
في الداخل المغربي، أحدثت هذه التطورات
ردود فعل قوية. فظهور خريطة المغرب مبتورة من صحرائه، اعتُبر طعنة في الظهر من
"رفقاء درب" يفترض أنهم يتحركون باسم القيم والمشترك الإنساني. وردًّا
على ذلك، وقّعت الكثير من الهيآت المدنية والحقوقية المغربية على بيان يندد
بالتوظيف السياسي للقضية الفلسطينية، ويؤكد أن دعم غزة لا يجب أن يكون على حساب
وحدة أي وطن، خاصة وطن ظل لعقود من أبرز المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني.
الجدل الذي أثارته القافلة أعاد إلى
الواجهة الشعار الذي يتردد على ألسنة الشباب المغربي: "تازة قبل غزة".
ليس كنوع من التنكر للقضية الفلسطينية، بل كتعبير عن رفض استخدام هذه القضية
لتبرير الإساءة لثوابت الوطن. هذا الرفض اتسع ليشمل رموزًا اعتبرها البعض
"تقدّمية" أو "مناصرة للقضية"، مثل الناشطة السويدية التي سبق
أن زارت مخيمات تندوف وظهرت مع زعيم البوليساريو، ما جعلها موضع استهجان واسع.
خلاصة القول: القافلة التي تم الترويج
لها على أنها "مسيرة للكرامة والدعم الإنساني"، سرعان ما انكشفت
حقيقتها، وتحولت في نظر كثيرين إلى "قافلة نفاق" مدفوعة الأجر، لا تحمل
لا مساعدات ولا نية صافية، بل تنضح بالتوظيف السياسي و"الخبث الإقليمي"،
في لحظة يشتد فيها الصراع حول النفوذ في شمال أفريقيا، ويجري فيها استغلال القضايا
العادلة لتبييض وجوه لا علاقة لها بالحق ولا بالعدل.
في النهاية، قد يكون من الضروري أن نعيد طرح السؤال الأصلي ولكن بصيغة أوضح: هل ما رأيناه قافلة تضامن... أم قافلة اختراق؟ أم خديعة سياسية؟.