بقلم الأستاذ حميد طولست
إننا، في هذا السياق، لا نقف ضد السيد معاذ الجامعي كشخص، بل نقرّ بمساره
المهني الحافل، ونشهد له، كما شهد كثيرون، بالتفاني في أداء مهامه، والانخراط
الجاد في عدد من الملفات التنموية والاجتماعية. لكن ذلك لا ينبغي أن يُستخدم مطيّة
لتبرير خطإ مؤسسي جسيم، يُعدّ من الناحية الرمزية تجاوزًا غير مقبول لمكانة
المؤسسة الملكية ذاتها، حين تم تشبيه الوالي في إحدى المناسبات بالمراسيم
السلطانية، وهي سابقة خطيرة في أعراف الدولة المغربية، الضاربة بجذورها في
التقاليد السلطانية، حيث كان حتى أبناء الأسرة الملكية يتجنبون التشبه بالسلطان في
اللباس أو الهيئة، فما بالك بالتشبه به في أدواره التعبدية والرمزية.
المثير للاستغراب أن العديد من المستعطيف، من صحفيين ونشطاء، هم ذاتهم من
كانوا يرفعون شعار "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، وينادون بتكريس مبادئ
الحكامة الجيدة، والقطع مع منطق الريع والمسؤولية غير المؤطرة بالمحاسبة. فكيف
يستقيم أن يطالبوا بعفو يتناقض صراحة مع روح هذه المبادئ؟ وهل يمكن أن نبني دولة
الحق والقانون، إذا جعلنا معيار العفو مرتبطًا بشعبية المسؤول، أو بانتمائه
الجهوي، أو بكثافة حضوره في الميدان؟
بل إن العبارة التي وردت في النص الاستعطافي: "نؤمن أنه لم يكن بنيّة
الإساءة، وإنما كان نتيجة ظروف خارجة عن إرادته"، تكشف عن سوء فهم جوهري
لطبيعة المسؤولية في الدولة الحديثة. فالمسؤول لا يُحاسب على نيّته، بل على فعله،
وتَبِعاته. وكم من قرارات صدرت عن مسؤولين بحسن نية، لكنها أفضت إلى كوارث!
ما نخشاه في هذا النوع من الاستعطاف هو تحويل المؤسسات إلى رهائن في يد
الكاريزما الفردية، وإلى مسارح للولاء العاطفي بدل التقييم العقلاني. فحين يُصبح
الاستعطاف موجهًا لرجل دولة بناءً على شعبيته أو خلفيته أو نسبه العائلي أو قربه
من المواطنين، فإننا نسقط في فخ شخصنة الوظيفة العمومية و وربطها بالأشخاص ،نا
يفرغها من بعدها المؤسسي القائم على القانون والمسؤولية والانضباط.
إن الملك ، باعتباره رئيس الدولة وضامن استقرارها الرمزي والمؤسساتي،
يتجاوز في مكانته أي اعتبارات عاطفية أو جهوية. وكل تقليد أو تشبّه برمزيته
السيادية، في شعائر ذات حمولة دينية أو اجتماعية، يعد انزلاقًا خطيرًا نحو تسيّب
رمزي يجب وضع حد له، خاصة إن جاء من مسؤول ترابي يفترض فيه أن يكون أول الملتزمين
بضوابط البروتوكول والدستور.
كلمة أخيرة
لسنا ضد معاذ الجامعي، ونؤمن أنه رجل وطني خدم بلاده بصدق، لكننا ضد منطق
"الاستعطاف الانتقائي"، وضد إقحام الملك في ملفات كان يجب أن تظل في
نطاق ربط المسؤولية بالمحاسبة. كما أننا نرفض أن يتحدث أحد باسم "ساكنة
فاس" دون وجه حق، أو أن يُصور الأمر كأننا أمام مظلومية تحتاج لشفاعة، بينما
نحن أمام قرار ملكي سيادي استند إلى معطيات دقيقة، تمس توازنات الدولة ورمزيتها.
رحمة العدل لا تعني تعطيل القانون، والمغرب الجديد الذي نحلم به هو ذاك
الذي يسود فيه العدل بالحكمة، لا الشفقة بالمحاباة.