adsense

2020/10/09 - 1:16 م

بقلم الأستاذ عبد الغني  فرحتي

كانت لجائحة كورونا تداعيات سلبية كثيرة على البلاد والعباد. هزت أركان الاقتصاد العالمي وشلت الملاحة الجوية والبحرية. كما أغلقت الحدود بين الدول والقارات، ألغيت المؤتمرات وأجلت الملتقيات الرياضية الكبرى وتوقفت المؤسسات التعليمية بمختلف بمستوياتها.

أمام الأعداد المتزايدة للمصابين وإزاء عداد الوفيات بفعل الوباء، إضافة إلى ما فرضه الوضع من حجر صحي، بدا العالم وكأن القيامة اقتربت ودنونا من يوم الحشر الموعود. الكل تأثر بالفيروس اللعين، لكن، كما أن وضعيات الناس تختلف، كذلك تختلف نوعية وقع وطبيعة هذا التأثير من فئة لأخرى ومن شخص لآخر.

أول مرة، سأكون صادقا في حياتي، أنا البرلماني الذي ألفت الحملات الانتخابية والتغني بالوعود الكاذبة، أول المرة سأكون صريحا، فوقع الجائحة على النفوس، يشعرنا بدنو الأجل ويدعونا إلى التوبة والتفكير في المصير بعد الموت. كنت أشعر أنني في منأى عن التأثر بانعكاسات الجائحة، وضعي المادي مريح والابتعاد عن كل احتكاك بالناس، أمر ألفته منذ أن وطأت قدمي المجلس الموقر،( فلا لقاء بالجمهور إلا خلال الحملات الانتخابية بل لا احتكاك حتى مع زملائي النواب بحكم إدماني على الغياب عن حضور الجلسات. بمعنى أن "الحجر الصحي " كنت متعودا عليه). والتعويض السمين يواصل النفخ في رصيدي البنكي، كل ذلك، كان يبعث في نفسي الاطمئنان.

أمر واحد كنت حريصا عليه أشد الحرص هو حضور جلسة افتتاح السنة البرلمانية، الموعد السنوي الذي لم أغب عنه أبدا. رغم تواضع مستواي الدراسي وافتقاري لأي تكوين سياسي (فأنا من الأعيان، طلب مني الترشح وأصبغت بلون حزب نسيت اسمه)، كنت استطيع إدراك العديد من الدروس التي تحملها الخطب الملكية بهذه المناسبة. تمنيت لو استجاب الناس إلى ما تتضمنه من توجيهات، أنا متأكد لو حصل ذلك، لرفع عني الحرج. لو تجاوبوا مع ما قاله جلالة الملك حين خاطبهم: " فعليكم أن تحكموا ضمائركم وأن تحسنوا الاختيار. لأنه لن يكون من حقكم غدا، أن تشتكوا من سوء التدبير، أو من ضعف الخدمات التي تقدم لكم". ما كان لي أن أدخل البرلمان.

  لا أخفيكم، أحيانا يتعبني الإحساس بالذنب وأشعر أني وأمثالي ممن أشار إليهم خطاب العرش لسنة 2017 بالقول: " فمن الحق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء.... إذا كانوا هم في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟. فممارسات بعض المسؤولين المنتخبين، تدفع عددا من المواطنين ، وخاصة الشباب، للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات. لأنهم بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل ".

 وبالفعل، أعترف أنني من الفاعلين الذين أفسدوا السياسة. كيف لا وأنا لم أشعر بالتأثير السلبي لانتشار وباء كورونا ولم أنزعج من تدابير الحجر الصحي، إلا حين فرض علينا، نحن كبرلمانيين، متابعة الخطاب الملكي الافتتاحي للسنة البرلمانية عن بعد. الأمر الذي سيحرمنا من لحظة في غاية الأهمية، لحظة الاستمتاع بلذة الحلويات التي  تقدم خلال حفل الاستقبال الذي يقام بالمناسبة، حلويات لها جاذبية لا تقاوم، حلويات من الأكيد أنه لن تكون لي فرصة تذوقها مرة أخرى لسببين على الأقل: أولا لأن هذه هي السنة الخامسة والأخيرة من الولاية الحالية وستفرز الاستحقاقات القادمة برلمانيين جددا. وثانيا، لأنه من المفروض " ألا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"، وبالتالي، من المنتظر أن يهب الناس، استلهاما للتوجيهات الملكية، إلى تحمل المسؤولية ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب. لذلك لا يسعني إلا أن أقول: " الدعوة بك لله، يا كورونا".