adsense

2020/05/09 - 12:32 م

بقلم زهير دادي
تابع..
الحلقة 8
"لوكان ماكنتيش ولدي والله حتى نخرج معاك بُونْيَّة بُونْيَّة غَا بِيَّا وْلَّا بِيكْ" يقول السي عبد السلام وهو يخاطب ابنه فتاح. وفي الرواية: "لو لم تكن ابني لناديتك إلى المبارزة فورا... بالمسدس... على مسافة ثلاث خطوات.. والأعين معصوبة." الجزء الأول. ص: 168. ويُمكن الإشارة، إلى أن هذا المقطع قد ورد أثناء حضورهما في الزاوية، في حين، أنه في الرواية الأصلية، قد جاء في سياق آخر خارج الكنيسة. تواصل النقاش بين الأب وابنه بحضور الأخوين والفقيه وباقي أفراد الزاوية. استمر الأب السي عبد السلام في أسلوبه التهريجي الذي اعتبره أغلب الحضور نشازا. ثم توالى النقاش، بعدما انصرف الجميع إلى حال سبيله؛ كل واحد إلا ويناقش موضوعا ما مع طرف واحد أو طرفين، حول مآل الصلح بين السي عبد السلام وعبد الفتاح، وكذا حول العلمانية ودور الفقيه. طموح عزام يكبر أكثر وأكثر، خاصة عندما التقى مع صديقة أخيه عبد السلام السابقة، إذ حدثها عن نيته في تأسيس جريدة تُعنى بمسألة العلمانية والاشتراكية. هذه الحلقة، هي بمثابة تتابع للحلقة السابقة وحسب.
يقوم المخرج بين الفينة والأخرى بتكثيف الأحداث، إذ يحاول أن يمزج بين أحداث كبرى وقعت في أزمنة متباينة داخل اللقطة نفسها. ويظهر هذا جليا أثناء اجتماع الأخوة كارامازوف/ تريكة البطاش لدى الفقيه، بحيث إن النقاش الذي خاضه عزام قد وقع في سياق آخر غير سياق الزاوية، مع ذلك، فقد استعان به المخرج أثناء الاجتماع، اعتقادا منه، ربما، أنه ينسجم مع طبيعة الموضوع ورمزية التجمع الاستثنائي بين شخصيات متباينة من حيث المعتقد.

الحلقة 9
وإذا كان السرد يتخذ منحى تعاقبيا على العموم، مع بعض الاسترجاعات الطفيفة التي يقوم بها السارد بين الفينة والأخرى من أجل التعمق أكثر وأكثر في مسار الشخصيات، فإنه على العكس من ذلك، يعتمد المخرج في المسلسل على الاسترجاع في الكثير من الأحيان، حتى إن بعض الحلقات من المسلسل؛ الحلقة التاسعة على سبيل المثال، يُكثف فيها المخرج من تقنية الفلاش، حتى إنها تشوش على المشاهد، بمثل تشويشها على النص الأصلي. وإذا كان دوستويفسكي قد كتب روايته قبل ظهور السينما، وقبل ظهور علم السرديات، خاصة في الشق المتعلق بالزمن الروائي، فإن العديد من التقنيات التي وظفها في هذا المجال من كتابته السردية، يمكن اعتبارها استباقية، بل، تأسيسية لفن الكتابة السرية الذي سيولد بعد فترة من ذلك، من خلال الكتابات الإبداعية التأسيسية والنظريات السردية التراكمية.
إن النقاشات التي تخوضها الأطراف، خاصة داخل الزاوية، هي نقاشات متعالية عن المجتمع المغربي في سياقه التاريخاني، بحيث إن رجل الدين/الفقيه لا يقبل بمحاججة الملحد، خاصة داخل الكنيسة. نعم، يمكن أن يقبله، بصفته فردا من أفراد أسرته الخارجين عن الملة، لكن لن يقبله بصفته سلطة مجتمعية تقوم على فكرة التعارض والاصطدام، بل التجاوز لفكرة الدين. عزام وهو يناقش العلمانية داخل الزاوية، هو أمر مرفوض بقوة الواقع. عزام هذا، يحيل على إيفان في الرواية الأصلية والذي يناقش فكرة الدين من منظور إلحادي، منسجم مع سياق الكنيسة الشرقية وتراجع دورها داخل المجتمع مقابل المد العقلاني والاشتراكي الذي قاده الشباب الأوربي عموما والروسي خصوصا.

الحلقة 10
يأتي دمتري وهو في حالة هستيرية، يقتحم المنزل، يجد أباه فيدور، يرتمي عليه، يسقطه أرضا، يضربه بقوة، يطأ برجله على وجهه، ثم يحول كل من إيفان وأليوشا بينهما؛ أب يُعَنَّف من قبل ابنه البكر، فيما الابن الأوسط والأصغر يقومان بدور الحماية للأب. أصيب أليوشا بالصدمة من هول ما رأى، مقابل إيفان الذي تحكم في أعصابه وهو المعروف بالرزانة. وقع هذا أمام مرأى سمردياكوف وجريغوري أيضا. لقد جاء دمتري باحثا عن الجميلة الأريستقراطية آجرافينا التي تعتبر السبب الرئيس في الخصومة بينهما. لقد وقع الحادث داخل ورشة العمل بالذات، وهي الورشة التي يديرها الأب. وفي الرواية الأصلية، فقد وقع الخصام داخل المنزل؛ منزل الأب، حيث اقتحمه فتاح ليلا بحثا عن آجرافينا. وإذا كانت السيدة قد توارت خلف الباب في المسلسل خوفا من فتاح، فإن السارد في الرواية، لا يشير إلى كونها قد ولجت إلى المنزل بالمرة.

الحلقة 11
يبحث السي عبد السلام عن الحقيقة، يتذكر ابنه البكر عبد الفتاح الذي عنفه أمس، لكن، وبدل أن يخاف منه، فهو يخاف من ابنه الأوسط عزام، الذي يتميز بعقلية فذة وصارمة بالمقارنة مع إخوته. يعرف الأب جيدا حدود عبد الفتاح، ذلك أنه يبحث عن المال وحسب ويحب السيدة آجرافينا، تلك التي ينوي عبد السلام الزواج منها. هذا هو أفقه تحديدا، وهو أفق يمكن التحكم فيه بالارتشاء؛ تقديم أموال للابن مقابل التنازل عن طموحه بشكل نهائي. عزام، لا طموح له، وعلى سبيل الدقة، فهو غير مفهوم، حيث قرأ كثيرا وتعمق في المجال السياسي والفلسفي، تشبع بالأفكار الاشتراكية وينوي تأسيس جريدة، وهذا هو ما يزعج الأب، لأنه قاصر من الناحية الفكرية فلا يستطيع ذهنيا التنبؤ بتصرفات عزام. تتجه الأحداث أكثر وأكثر التأزيم، حيث تتوتر العلاقة بين الأب وفتاح، غير أن الأب، يقدم في المقابل، قراءة أخرى للأحداث، وهذا راجع إلى طبيعة شخصيته بالذات، حيث يربط خطر وجوده بابنه عزام، خوفا من العنف الفكري بدل العنف الجسدي. يتبع..