adsense

2016/09/23 - 9:41 م


بقلم الأستاذ حميد طولست
انفجرت قبل أولى شرارات الصراع الانتخابي ، الذي سبق للملك محمد السادس أن شبهها بـ''القيامة''، في خطاب عيد العرش الأخير الذي دعا فيه إلى التنافس ''النزيه'' والديمقراطي في معركة 7 أكتوبر، قيامة الصراع الإنتخابي المؤثرة في العملية الانتخابية ، التي تمثلت في خروج المواطنين للاحتجاج في أحد شوارع العاصمة الاقتصادية للمملكة، رافعين شعارات مناوئة لحكومة بنكيران وحزبه ، في توقيت أثار الكثير من الجدل والانتقادات في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر بعض البيجديين أن المسيرة  أسلوب أو تكتيك سلطوي جديد لمواجهة ''امتداد'' البيجيدي ولجم قوته ، وذهب بعضهم إلى إعتبارها مسيرة بدون تأثير ولا تداعيات داخلية سواء على الحزب أو أعضائه ، وكأنها لم تكن ، رغم ما رُدد خلالها من شعارات خطيرة تمس الحزب مباشرة ، بدليل أنها مسيرة مجهولة الهوية ودون مسؤولية سياسية ومجهولة المصدر ، ولم تعلن أي جهة سياسية أو نقابية مسؤوليتها عنها وغياب الوجوه المدنية والسياسية المعروفة عن المشاركة فيها .
بينما اعتبر خصوم البيجيديين أن خروج الشعب إلى الشارع هو تعبير عن مواقف ، سواء إيجابا أو سلبيا ، وأنها نتيجة لتهرب الحكومة من النقاش الحقيقي، بينما يرى فريق آخر من السياسيين بأن المنطق السياسي السليم، يفصل الزمن الانتخابي عن الزمن الإحتجاجي ،لما يقدمه الزمن الانتخابات للمواطنين من سلاح أقوى وأنجع من مجرد اعتلاء الشارع منبرا للاحتجاج، كما  إعتبر الأشد خصومة للبيجيديين بأن المسيرة هي "مؤامرة لخدمة أحزاب الأغلبية الحكومية، هدفها تضليل وتغليط الرأي العام.
ما أود تسليط الضوء عليه في هذه العجالة، هو ما أفصحت عنه تلك المسيرة ، وفضحته من نكوص وتراجع وتدهور في اللعبة الانتخابية لدينا، التي تُعمد الخروج بها عن القواعد والقيم المتعارف عليها حولها ، بجعل الصراع الانتخابي يتجاوز نطاقه المؤسساتي والحزبي، ليقحم بفئات مجتمعية ضعيفة في أتون التطاحن بين الأحزاب والمؤسسات ، بدعوات مجهولة للتظاهر الكل يعلم أنها لا يمكن أن تصنع تغييرا حقيقيا ، وتدافع سياسي معزول عن الفكر والمشروع المجتمعي والذي لا يمكنه هو الآخر أن يؤدي إلى نتائج لصالح المشاركين فيها ولا لصالح  الوطن.
لكنها الثقافة الذاتية المبرر الأساسي لأي خروج عن المنطق وأي تغاض عن الموضوعية ، إلى جانب الرغبة العارمة في إلهاء المواطنين عن المشاكل الهامة والتغييرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية من ورائهم ، والتي نحت مع الأسف الشديد ، منحا خطيرا إتخد التهكم والسخرية من المواطن البسيط الذي خرج أو أخرج في تلك المسيرة ، لا يهم ، فإنه عندما نسخر من هؤلاء من خلال تعليقاتنا على الفيديوهات التي انتشرت كالنار في الهشيم ، والتي يظهرون فيها بعفوية كبيرة جدا ، كما هو حال السيدة التي أطلق عليها الساخرون لقب "مولات الحولي"، وأمثالها كثير ممن شاركوا بمحض ارادتهم أو غرر بهم أو أرغموا على ذلك ، لايهم ،  فالمهمم هو أننا في الواقع ، بسخريتنا منهم ، فإننا نسخر من أنفسنا ، لانه عيب وعار علينا ان نظل نتحدث داخل الصالونات والمكاتب المكيفة عن الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية ، وعن التحكم و"الدولة العميقة" وننسى أو نتناسى أن هناك مغرب عميق تعيش فيه فئة من المواطنين خارج الزمن المغربي ، والذي تمثله "مولات الحولي" مليكة بنت الڭج" البنورية ، التي لم يصلها حقها مما تتحدث عنه الحكومة من إنجازات ، ولم تتوصل قط بالدعم المباشر الخاص بالأرامل و لا بالعجائز ، ولم تتقاضى أي إعانة شهرية ، وليس لها الحق في التغطية الصحية وإلا لكانت .
 لكن ، وعلى ما يبدو ، أن عموم الساخرين، لا يهمهم سوى رفع مستوى الضحك من عفوية هذه السيدة وأمثالها كثير ممن يجهل الكثير من هؤلاء معاناتهم في مغرب 2016 ، كما أن الضجة و الهالة الإعلامية الكبيرة التي واكبت هته المسيرة ،  سواء أرحع سبب حدوثها لتهرب الحكومة من النقاش الجدي ، أو عزي لسبب مواجهة ''امتداد'' البيجيدي ولجم قوته ، أو أرجع إلى "مؤامرة لخدمة أحزاب الأغلبية الحكومية، فإنها تبقى مسيرة لا تهم إلا ذوي المسؤوليات الحكومية ومتداداتهم من ساكنة قبة باب الأحد، وما تدره عليهم من عدد الموصوتين لصاحهم وصالح أحزابهم ، مسيرة لا تهتم بمصير السيدة الأرملة التي مات عنها زوجها تاركا وراءه طفلين مارست أمهم -التي يسخر منها بـ"مولاة الحولي" - كل شيء من أجل إعالتمها في غياب أي دعم أو مساعدة  حكومية مباشرة أو غير مباشرة ، حتى أنها لم تتشرف بلمسة طبيب الأسنان الحكومي ، رغم أن لها الحق في بطاقة "راميد"، وأن التغطية الصحية حق من الحقوق الأولية لكل مواطن ، وكما قال أحد معارفها في مقالة مؤثرة جدا نشرت له بموقع "شوف تيفي" : إنها عارنا جميعا و عاركم جميعا، عار في جبين الأحزاب و عار على الذين يبحثون عن الأصوات بين من أنهكهم الزمن ليكونوا حطب نار معركة لا فائدة لهم فيها "
 فالقضية إذن هي أكبر من "الحولي وملاتو" وأكبر من معرفة الأب البيولوجي لمسيرة مجهولة عابرة ، فأساس القضية في عهارة الإيديولوجيات ..