adsense

2020/05/12 - 3:13 ص

بقلم عيسى/فراق ـ الجزاير                                      
ضاعت أمتنا منذ أضحى شبابها يطلب شفاعة الحوت في عرض البحر، ويرفض رحمة الديدان في القبر، ممتطيا كل المخاطر، بعد أن داس على مخاوفه، وقرر الرحيل عن وطن لم يحسن المعاملة مع مواطن بسيط، حقوقه أضحت جملة من الأحلام، وواجباته ظلت تراوح التنفيذ مع سبق الفقر والحاجة.    
لا أحد يختار منا الموت، كلنا نتشبث بالحياة، نغرس أظافرنا مع أول محاولة للانتحار، نكذب في كل مرة نتمنى فيها الرحيل، فمخدر اليأس ما إن يغادر وريد الأزمات، حتى نعود كطير أطلقوا سراحه بعد سجن طويل، يمارس الطيران وكأنه لم يجرب يوما تكبيل جناحه. عشرات القوارب تغادر سواحلنا العربية يوميا، صور تقشعر لها الأبدان، آلاف الشباب، نساء ورجال، وحتى أطفال حقنوهم بيأس المشاهدة قبل التجربة، بطعم المرارة قبل التذوق، فلم يعد يود وضع بصمته، علم مسبقا فشلها في الإثبات، مشهد لم نراه إلا في كاميرات الأفلام والمسلسلات، أو حفظته كتب التاريخ عن إجلاء وترحيل.       
الذين غادروا في قوارب الموت بدلا من طائرات الأمان، لم يصلهم النداء في قاعات الانتظار، بل أصغوا لصوت الجوع المنبعث من بطونهم، فلم يعد يجيد ترويضه، ولا حتى إسكاته، أولئك الذين لم يحملوا حقائب السفر، علموا أن قلوبهم مملوءة بطلبات رفض العمل، وشهادات التخرج، ورسائل التدخل والتوسل، فلم يعد يهمهم تغطية أجسادهم بالثياب، فعيونهم فضحت عورة العجز والعوزهجرة غير شرعية هكذا تصنف جريمة الهروب من الوطن عبر البحر، فتحطيم الأحلام ليس جريمة، البطالة والظلم، القهر والفقر، الجوع والمرض، كلها مخالفات إنسانية، لا تتعدى حدود القتل في نظرهم، ما يزعجهم حقا، ألا تضع الدولة ختمها على جواز الخلاص منك، موتك في عرض البحر غنيمة ستقلص عدد النسمة في وطنك، حمل ما تبقى من جسدك الميت مسبقا ليس من صلاحيتهم، أما عودتك وإلقاء القبض عليك، شهادة سجين قوي نجا من الموت، وصارع القروش، وهذا دليل قاطع على تمردك.كلهم دون استثناء غادروا وبصدورهم قوائم سوداء، المهندس الذي عمل بناء، والطبيب الذي علق الشهادة فوق الباب، الشاب الذي عجز على تسديد تكاليف الزواج، والأب الذي رأى مرض ابنه أمامه ولم يحسن شراء الدواء، المراهق الذي عايش برد الشتاء، وراقب والدته وهي تجمع الحطب من أعالي الجبال، كلهم رحلوا بذاكرة مثقوبة بالآلام والآهات.
الطموح كان أقوى من دموع أم على عتبة الباب، المال كان ذريعة لكتم الأنفاس كي لا تعيدك رائحة الحنين لشواطئ، الغنى كان هدف يفوق خاتم في يد امرأة عينها لزواج، لا تسألوه لماذا رحل؟ فقد ركلته ظروف الحياة خارج البر ورمته إلى نصف البحر، ميت أم ناجٍ لم يعد مهم.