adsense

2020/05/09 - 2:30 ص

بقلم يوسف بنوار
هذا المقال هو ذكرى لأحفادنا, اخبار لهم لما كان هناك في الزمن الغابر, لما عاشته الأرض في يوم كان مقداره شهورا عديدة. فكيف لا وقد لبت القوم وكأنهم معتكفون في منازلهم الى اشعار غير معروف. انها الألفية الثالثة من زمن الكورونا, مرض ظهر في بلاد الصين فانتشر كالنار في الهشيم وكأنه مسخر ليقلب موازين الحياة اليومية لبني البشر, ففي لمحة البصر, صار المرض الى أبعد حدود الأرض, فتقاسمت معظم دول العالم هذا الوباء الذي لم يعرف الكون مثل سرعة انتشاره من قبل, ولتقريب صورة العالم بين الأمس واليوم بشكل مجازي, فقد كانت تلك صورة جسدت الدنيا كجميلة حسناء تغري قلوب الناظرين، وتعطي أملا مشرقا للحالمين، حتى إذا أخذت زخرفها وزينت، أتاها أمر ربها بغثة فقال لها كن, فكانت غيمة سوداء على العالمين, وسيلا عارما أخذ الأخضر والياسمين، دليلنا البارحة ونحن في الشوارع كأسنان المشط مهطعين، وها نحن اليوم بين أركان البيت قابعين، لازمين بيوتنا حتى يأتينا اليقين.
أتدرون, في خضم هذا المستجد, فقد كنت في واحدة من أخطر النقط التي يمكن أن يتعرض فيها شخص لفيروس كورونا، لكن قد يبدو الأمر غريبا أنني رأيت الأمر بطريقة إيجابية، حيث أن لهذه الجرثومة - التي لا يتعدى قطرها 400 نانومتر - فضلا في نقص موجة التفاهة، من حيث أنها سبيل لقهرهذا الكائن المليء بالطغيان والسفاهة، كما أنها ستعيد ترتيب الأوراق التي بعثرتها الأنظمة المتحكمة في نواميس العالم، لأعتقد أن التدخل الإلهي هذا سيعيد بناء جملة من الأشياء التي لم يستطع الإنسان - لجشعه وأنانيته - بناءها، إننا في مفترق طرق خطير، لكني أجزم على أن البشرية في حاجة إليه لما تعرفه هذه الأخيرة من ظلم وتجاوز لقوانين الكون, رغم ذلك فإننا دائما نردد، اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، لكننا نسألك اللطف فيه.
كان المغرب من الدول المتأخرة في استقبال هذا المرض, وأشهد أن أول حالة رصدت بمراكش للسائح الفرنسي مرت بين أيدينا بحكم عملنا في نقطة مطار المنارة بمراكش, أتذكر ذلك اليوم الذي شاع الخبر بين أصدقاءنا هناك, فلم نحس بخطر هذا الموت القادم من أقصى الشرق بحكم ايماننا المطلق كمسلمين على أنه لن يصيبنا الا ما كتبه الله لنا ولو كنا في بروج مشيدة. هكذا كان استقبال هذا المرض من معظم شرائح المجتمع المغربي.
أيام قليلة مرت, فجاء نبأ بداية الانتشار, بدأ من أسرة المصاب الفرنسي الى ظهور آخرين من السياح الذين قدموا من أروبا خصوصا ايطاليا, والتي عرفت اغلاقا تاما لمواصلاتها الجوية مع البلدان الأخرى بحكم تفشي المرض بشكل هستيري في بلدها, هذا وقد أعلنت المصادر الاعلامية الوطنية الرسمية بداية تفشي المرض مع الاعلان عن حالة الطوارئ وأمر الجميع بالتزام بيوتهم الى أجل غير مسمى. تجندت الدولة للمواجهة, فأخذ الطبيب والممرض دور البطل في هذا الحلم العابر, تلاه رجل الأمن والنظافة والأستاذ, كل له من المساهمة ما يكمل هذه الحرب التي أطاحت الى حد الآن بالعديد من القتلى والمئات من المصابين على الأقل الى حدود لحظة الكتابة هاته.
ونحن في منتصف طريق الشفاء من هذا المرض العضال, شهدت الساحة الاجتماعية المغربية مدا وزجرا على جميع المستويات, فقد شهد قطاع الشغل شبه شلل ليتوقف معظم العاملين والموظفين عن ممارسة مهامهم الوظيفية, كذلك توقفت جل الأنشطة الرياضية والثقافية, وكذا الأشغال العمومية والشركات الخاصة, حتى أن التواصل الرسمي بين الادارات والمجتمع أصبح افتراضيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي, وأضحت اللقاءات الاجتماعية شبه مستحيلة في ظل الحجر الصحي الذي فرضته الدولة .
لقد كان تدخل الدولة في هذا الاطار ناجحا الى حد ما, حيث أبانت هذه الأخيرة عن كفاءتها في الحفاظ على السلم الاجتماعي واستقرار هلع الشارع العام, رغم بعض السلوكيات الزائدة التي أبان عنها بعض من الأفراد في قمع وفض التجمهر بالقوة. من ناحية أخرى, كان لردة فعل معظم الشعب ممتازا وذلك بالتزامه بمقتضيات القوانين المؤطرة للحجر الصحي, أكيد شهدنا خروقات وتجمهرات في الأسواق والأماكن العمومية, لكن أسباب ذلك راجع – حسب رأيي – الى عدة معطيات وتراكمات اقتصادية, اجتماعية ونفسية, أيضا لعب عدم وعي هذه الثلة دورا في عدم الالتزام بالحجر, وهذا الأمر قد تتحمله الدولة بالدرجة الأولى لأن من أسباب عدم الطاعة, عدم وجود أسبابها, لهذا وجهت أصابع الاتهام للقطاع التربوي بالدرجة الأولى لأنه الساهر على تربية جيل يعي ما يجري في الساحة الوطنية, وبذلك يكون قادرا على التجاوب الايجابي مع أي مستجد. أقول في هذا الصدد, أن الصورة التي أبان عليها بعض من الأفراد من خروج إلى الشارع العام في سياق مخالف لتعليمات الدولة لأجل المصلحة العامة، ما هو إلا نتيجة لتاريخ طويل من ممارسة التجهيل على هذا الكائن، فكيف لك أن تطالب هذا الشعب بالوعي وقد ساهم الإعلام بكل أشكاله في تنميط عقليته بكل سفاسف الأمور، كيف تطالبه بالانضباط وقد قمعت الأساتذة الذين يعتبرون مركز تقدم الدول. إننا فقط نحصد ما زرعناه في الأيام الخالية، وأتمناه أن يكون درسا للدولة لتعيد نمط تفكيرها اتجاه قطاعي التعليم والصحة وإعادتهم لمكانتهم الطبيعية.
أما على مستوى الطبيعة, فقد استراح الحيوان والطير من سيطرة البشر, وهرع الوحش ليعيش بحرية وسط جنبات الأدغال والشجر, فتراهم في كل فج عميق يبحثون عن لقمة يسدون بها جوعهم. وعن بركة ماء يروون بها عطشهم, حتى ترى الطير بين أزقة المدينة لا يخاف أحدا غير الله. لقد تنفست الطبيعة بعد ثلوث كبير, حتى أن طبقة الأوزون التي شغلت عقول الباحثين أغلقت بسبب انخفاض مستوى التلوث العالمي, الى جانب ذلك, بدأت الحياة تنتعش من جديد على مستوى الغابات الكبرى كالأمازون والغابة الاستوائية لإفريقيا وكذا الغابات الأسترالية التي أحرقت معظمها أواخر سنة 2019.
وأخيرا, أرى أن هذا المرض – حسب اعتقادي المتواضع -  له وجهين لعملة واحدة, أولهما رسالة من خالق الكون للبشرية جمعاء لتحيد عن غرورها وظلمها للبلاد والعباد, ويبين لهم قدرته على أن الانسان خلق ضعيفا, والأمر الثاني هو أن هذا الأمر الذي تراه عقولنا القاصرة ظاهره من العذاب فلربما كان باطنه رحمة للعباد, فلولاه لما أغلقت دور الفسق والمجون في بقاع العالم, لولاه لما ارتد الظالم على قتل الأبرياء من بني جلدته بالطائرات والأسلحة المتطورة, لولى الكورونا لما ارتاح الوحش والطير والطبيعة من جور بني آدم عليها. نعم أرى باطنها رحمة, وظاهرها من قبله العذاب.