adsense

2020/04/04 - 4:31 م

بقلم الكاتب الصحفي عيسى فراق ـ الجزائر
كم من حبيب تودد إلينا وعاش راغبا في التقرّب منا، وأغدق علينا بطيب تعامله، فما كان منا إلا أن تعاملنا معه بقسوة وغلظة، أو بلا مبالاة مصحوبة بالجفوة، وربما تعاملنا معه بحب كبير ولكننا حمّلناه من الضغوط النفسية ما لا يحتمل ولا يطيق، حتى إذا رأى الحمل قد أثقل كاهل قلبه، وأرّق هدوء نفسه، وجعله يعيش متأرجحا بين تقلبات معاملة حبيبه له، إذا به يجمع أمتعة قلبه ومشاعره تجاه محبوبه ويقرر الرحيل، أو ربما يجيء الرحيل بقدر وأجل مكتوب، فإذا بضمير الحبيب الذي لطالما أثقل كاهل محبوبه يستيقظ من سباته العميق، فيكتشف ما كان في محبوبه من طيب خلق له حُسن وبريق، فيحزن القلب ويغتم، ولا يدري أيحزن على فراق قلب ما رأى منه غير كل جميل، أم يحزن على تلك السهام التي غرسها في قلب هذا الحبيب؟.
وهذا ما حدث معه بالفعل، فقد كانت زوجته تحبه بكل كيانها، فهو الرجل الذي تفتحت بزواجها منه أزهار أنوثتها، وهو الحبيب الذي تمنت لو قدّمت له كل ما تستطيع ليصير عنها راضيا وفيها راغبا، ولكنه كان يبتعد بمشاعره عنها، فيقسو عليها حينا ويتجاهلها حينا، ويسرد قائمة بعيوبها أحيانا أخرى، لم يكن يُشعرها إلا بأنها السواد الذي غلَّف نهاره، والعذاب الذي أرَّق مضجعه في ليله!.
تحمّلت الصدّ وحرمانها من الودّ، وقسوته التي أنهكت النفس، وحين اشتد إيذاؤه لها وفاق الحدّ، قررت الرحيل وما عادت تعبأ بحب يسكن القلب.
تركته وبدأت في طقوس الرحيل، فإذا به يبدأ في ممارسة أساليب التحقير، ويعدها بأنها لن تجد من يلتفت إليها ويهددها بأنه سيتزوج من تفوقها حسنا وجمالا.
مرّت الأيام فتزوج بالفعل من تفوقها حسنا وجمالا، ولكنها أذاقته من الشقاء ألوانا وأشكالا، سقته بقبح معاملتها، فمرّ الألم فتجرّع معها كؤوس الندم، ثم صار يبكي على من كانت له سكنا وحنانا وكان لها شقاءً وعذابا.
تمنى لو رضيت بأن تعود إليه، ولكن هيهات فقد بدأت تحيا حياة جديدة عوّضها الله فيها عن كل ما تجرعته من عذاب، أما هو فقد عاش غارقا في بحر الندم، ولكن هل يفيد الندم والبكاء بعد فوات الأوان؟.
ألم يكن يدرك أنه هو أيضا له عيوب تتحمّلها الزوجة وتغضّ الطرف عنها حفاظا على العشرة، وإبقاء للمودة؟.
هناك في بيت آخر تتكرر المأساة بشكل مختلف، ففي زاوية البيت تتقوقع أرملة على نفسها، تبكي بالدمع الثخين على زوج لطالما تحمّل نيران ثوراتها وشدّة غضبها وشديد تقصيرها، تحمّل زوجة لا تعرف من الحياة إلا الشكوى وعدم الاعتراف بأي جميل.
كانت تخرق أذنيه ليل نهار بمقارنته بزوج فلانة وفلانة، فيهرب منها بالانغماس في عمله، والعودة ليلا كي لا يصم أذنيه نعيقها المزعج.
الآن وبعد أن رحل عن الحياة، بدأت تستدعي شريط الذكريات، لتكتشف كم كان زوجها حنونا وعطوفا وكم كان وفيا ورؤوفا، فبكت وقالت: ليتني أدركت قيمته وهو على قيد الحياة، لكنت تمتعت معه ومتّعته بجمال الحياة.