adsense

2020/04/20 - 10:00 ص

بقلم الأستاذ حميد طولست
قد يضغط وقع الأجواء المزلزلة التي يعيشها العالم منذ ما يقارب أربعة أشهر على بروز فيروس كورونا،  الذي زج بالبشر في سجن الإنزواء في البيوت ، وقد تشهد معنوياتهم وأعصابهم -التي ليست من حديد كما يقولون-  بعض الإهتزاز ، جراء ما خلفته في نفسياتهم من أرق و قلق واكتئاب  وتوتر وحزن وكآبة ، وغيرها من مشاعر الإحباط والفشل ، التي يرغب الجميع في التخفيف من حدة تعقيدات آثارها على النفسية وربما العقلية، الأمر الذي لن يتأتى بوضع ضغوطات الوباء في السياقات التي تمكّن من تحويل بَلِيّته إلى عطية ، ومحنته إلى منحة ،وشره إلى خير، عملا بقوله سبحانه وتعالى :" وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيْرٌ لكم" الاية التي إذا طبقت على الواقع ، لاشك أن ويقل معها قلق وتوتر العديد من النفوس، إذا  ركيز أصحابها على الأشياء التي تبعث على السعادة ، بدل من المعكرة للأمزجة ،ولبدا لهم المشهد بوجه آخر ، لأن المشاعر كما يقال هي: "محصلة لنظرتنا للأمور" ، وأن الأزمات تظهر ما يغفل عنه الناس وقت الرخاء ، من مزايا ووفائد الأشياء ،و تعمى الأبصار عن وجوهها المفيدة المخفية وراء الشرور، كما هو حال أخبار وصور وحكايات المزايا والدروس المستترة خلف الظروف الصعبة والاستثنائية التي حتمتها جائحة كورونا على البشرية..
والتي من بين أهمها، ثقافة وأخلاق الرحمة والتكافل والتعاون وسلوك التضامن الاجتماعي الأصيلة في ديننا وثقافتنا وتقاليدنا الاجتماعية والإنسانية ،والتي أعادت احياءها قساوة محن كورونا ، بين الكثير من البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم وعقائدهم ، بعيدا عن مظاهر التفاخر والتباهي التي كانت تشغل الناس ، والتي تؤكدها الحكايات الجميلة والإنسانية التي أظهرت الحسّ الإنسانيّ المتورّد والعواطف الطبيعية، والمبادئ الاخلاقيّة العالية وغيرها من القيم الإنسانية الخالدة ، التي تبقي الأصل أصيلا  نقي السريرة مهما تبدل الزمان وتمدده ، والتي انخرطت فيها كافة شعوب الأرض بين عشية وضحاها، ولم يحد الإنسان المغربي عن جمالية وبهاء صورها ، بما قدمه وتقدمه جحافل فرسانه "البيض" وأجهزة أمنه وجيشه وشرطته ودركه وقواته المساعدة ، من التضحيات لمواجهة وباء كورونا ، في الميدان وعلى خطوط الدفاع الأولى،  السلوك الذي أجلى معدن النفمس الطيبة ، وأطهر القدوات الحقيقية في المجتمعة ، في مقابل القدوات المزيفة للكثير من تجار الأزمات المعرضين أرواح المواطنين للخطر ، الذين زهد الناس في سماع خرافاتهم وتوجهت أنظارهم إلى الوطنيين الحقيقين من أهل العلم والطب والأجهزة الأمنية بمختلف المراكز والدرجات ، الذين يحمون الوطن والمواطن بقلوبهم وسلاحهم .
وفي نفس السياق ، يبدو أن فيروس كورونا الذي تمكن من تحسين بعض السلوكيات  ،سواء على المستوى الواقعي أو في العالم الافتراضي ، فقد استطاع أيضا من إحداث تحسن عام في الهواء ، حيت نجح التباعد الاجتماعي وتوقف حركة وسائل النقل لبضعة أسابيع فيما أخفت في تحقيقه "الحركات البيئية " خلال سنوات ، بفضل ما فرضه تفشي الوباء من قيود ، بدأً بالحجر الصحي وملازمة البيوت إلى التعليم والعمل عن بعد ، والذي يبقى فرصة كبيرة للتأمل في معاني الوجود الكبرى وفي علاقتنا بالحياة والموت وعلاقتنا ببعضنا ومستقبل العالم .
ولا يسعني أمام هذا البلاء إلا أن ارفع أكف الضراعة  للعلي القدير راجيا أن يرفع  ضرره عنا وعن سائر خلقه على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم وعقائدهم ، ويفتح أعيننا واسعا لنستفيد من دروسه لترسيخ ثقافة التعاطف مع الذات ومع الآخرين ، وتحويلها إلى ثقافة متأصلة في الوعي والممارسة بشكل دائم وليس موسميا .