adsense

2020/04/16 - 8:23 م

د. محسن بطشي أستاذ باحث بجامعة ابن طفيل القنيطرة
لا أحد كان يتصور إلى حدود الشهر الماضي، مارس 2020، أن النظام الصحي لمجموعة من البلدان المتقدمة في هذا المجال كإيطاليا وفرنسا وإسبانيا... والولايات المتحدة الأمريكية ستقف اليوم عاجزة عن تقديم الخدمات الاستشفائية اللازمة لضحايا وباء لا يزال في بداية انتشاره وتوسع خارطته الوبائية داخل المدن والقرى في أوروبا وأمريكا. فتوصل قادة وخبراء وعلماء هاته البلدان لقناعة لا مفر منها ألا وهي استحالة مجابهة ومسايرة إيقاع كورونا 19 في الوقت الحالي في ظل غياب دواء لمعالجته ، ولغياب كذلك المعلومات الكافية لطريقة انتشاره وسبل تجنب العدوة به. وما يؤكد ذلك، أن منظمة الصحة العالمية تصدر كل يوم معلومات جديدة عن كورونا 19 وسبل حماية السكان والعاملين بقطاع الصحة والسلطات المحلية من خطر العدوى، وكان آخرها التوصل لكون ارتداء الكمامات وسيلة من شأنها الحد من وثيرة انتشار الوباء بين الناس.
لذلك، لجأت هذه البلدان لحملات تحسيسية باستعمال مجموعة من الوسائط مع وضع سياسات صحية جديدة في مقدمتها الحجر الصحي بشكل إجباري ومطالبة المواطنين بضرورة التقيد بشروط السلامة الصحية خاصة ارتداء الكمامات وتجنب الاحتكاكات مع الناس .
لكن هذه السياسة الصحية، في اعتقادي، جاءت متأخرة شيئا ما وكان الفيروس أكثر نشاطا وحركية داخل أجسام لآلاف من الناس ومنتشر أكثر في المرافق والمراكز التجارية والشوارع... . ومع تسجيل المزيد من الحالات الجديدة وصدور معلومات من المتخصصين عن الوباء، بدأت حملات التعقيم وإجراء أكبر عدد ممكن من التحاليل قصد التدخل بشكل عاجل لحماية الناس من الوفاة قدر المستطاع .
والمغرب في هذه اللحظة تكونت لديه قناعة أنه لا يمكن لمنظومتنا الصحية مسايرة إيقاع هذا الوباء، واستفادت المملكة كثيرا من الدرس لدول حوض البحر الأبيض المتوسط، خاصة فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، فاعتمدت خطة استباقية منذ تسجيل أولى الحالات الوافدة من الخارج، فتم توقيف الدراسة الحضورية وتعويضها بالتكوين عن بعد، إلغاء مختلف الأنشطة الثقافية والعلمية والرياضية والسياسية... وإغلاق المساجد مع الإبقاء على رفع الآذان في كل صلاة، ثم إغلاق الحدود البرية والجوية والبحرية مع العالم وسن قانون الطوارئ الصحية وإجبارية الحجر الصحي.. . وتأتي كل هذه الإجراءات بالموازاة مع حملات تحسيسية توعوية لعموم المواطنين والمواطنات عبر وسائل الإعلام المختلفة وعبر حملات ميدانية يقودها رجال ونساء السلطة المحلية، الدرك الملكي، الأمن الوطني القوات المسلحة الملكية، الوقاية المدنية، ...
هذه الخطة الاستباقية التي قادتها الدولة تحت القيادة العليا للملك محمد السادس نصره الله، خففت الضغط على المستشفيات والأطر الصحية وجنبت بلادنا الكارثة الوبائية التي تعيشها دول جوار المملكة، ونتمنى لها تجاوز هذه الأزمة في أقرب وقت، بفضل تعاون الطب العسكري والمدني لمعالجة ضحايا هذا الوباء، بالإضافة إلى التحكم في خريطة المخالطين عبر ربوع المملكة وتتبع حالتهم باستمرار.
وبناء على  ما سبق، يتعين علينا التفكير انطلاقا من هذه المعطيات الميدانية والتجارب في أولوية الأوليات في المستقبل والتهيؤ لجميع الاحتمالات والكوارث لا قدر الله في المستقبل.
ففي اعتقادي، فالأولوية ينبغي أن تركز على التعليم والمعرفة والثقافة والبحث العلمي والإعلام، على اعتبار أن أعتد الأنظمة الصحية في العالم تكاد تنهزم أمام هذا الوباء، فلجأت هذه الدول إلى هذه القطاعات بالخصوص للحد من انتشار كورونا المستجد بها، فتوصلت لقناعة أنه من الضروري تقوية قدرات شعوبها في هذا المجال أكثر فأكثر في المستقبل ،
ثانيا، ينبغي علينا إحداث لجن متخصصة على مستوى كل عمالة و مدينة تهتم بوضع تصور للتدخل السريع بتنسيق مع المركز في مثل هذه الحالات. وتضم هذه الخلية مختلف الفاعلين من رجال ونساء السلطة، الأمن الوطني، الدرك الملكي، الوقاية المدنية، أساتذة وخبراء من الجامعات والمعاهد، الهلال الأحمر وممثلين عن المنظمات الغير حكومية. لأن التجربة الميدانية والعمل الذي قامت به الدولة في هذا الجانب، أتبث نجاعة هذا التدخل في حصر خريطة الوباء بالمملكة. لذلك، ينبغي استثمار ذلك في المستقبل بتدعيم القدرات البشرية واللوجستيكية لهذه اللجن.
ثم يأتي قطاع الصحة بعد ذلك، وينبغي تدعيمه بالاستثمار في المستشفيات وتجهيزها بالمعدات والموارد البشرية المؤهلة. ووضعت هذا القطاع الحيوي في المرتبة الثالثة لكون الأولوية الأولى والثانية من شأنهما تخفيف الضغط على المستشفيات خاصة في الفترات العصيبة كالتي نعيشها اليوم.
وبالموازاة مع هذه السياسات، ينبغي التفكير في محاربة الفقر والهشاشة عن طريق تدعيم القطاع الخاص والمبادرة الحرة للرفع من نسبة النمو الاقتصادي واستيعاب أكبر عدد من الشباب والشابات في سوق الشغل والتخفيف من مؤشر البطالة. بالإضافة إلى توسيع قاعدة المنخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتأمين الإجباري عن المرض.