adsense

2020/04/15 - 4:25 م

بقلم الكاتب الصحفي عيسى فراق ـ الجزائر
سينبثق النور على موعد مع مَلك يأخذ مفاتيح الجنة فيفتحها باباً باباً، ويرسل من ذلك المكان الأنقى نباريس التقوى وفوانيس السلام. ويقدم شهر رمضان بماءٍ من الفردوس لتتوضأ منه الطبيعة الساحرة وتغتسل به الإنسانية المتسخة بالظلم والاستبداد والاستعباد. ولتسمو بذلك الماء الطاهر الأرواحُ البشرية التي طالما رتعت في الأوحال حتى نسيت المرعى. سيشهد فجر رمضان ملائكة ينزلون من السماء وملائكة يمشون على الأرض وطيور تغرد بالتسبيح وجبال تتهادى من الخضوع ونفوس تترنم بالخشوع ونسيم يسمو بالنفوس و ورد كرائحة الفردوس. والقلوب مع هذه الطلائع بين مسترشد وضائع، وشوق وشوك، وأمل وألم، وانفتاح وانقباض وجزر ومد.فهو شهر شوق وتوق، وإرادة وعبادة، ورحلة في صيانة وصياغة النفس الشرود. فكم من قلوب تهفو إلى أن تكتحل عينها برؤية الأحرف والكلمات الربانية، وكم من نفوس تصفوا وتحلوا، وأخلاق راقية تجلوا حينما تتعطر السماء بريح الجنة. ولكم انتظرته البشرية ليخلصها من أدرانها التي أفسدت معانيها ومبانيها وجعلت المعروف منكراً والمنكر معروفاً. وهو اشتياق إلى الارتواء من الدمع النقي الخالص من شوائب التكلف والتزلف والتطرف. ويقود هذا الشوقُ الأقدامَ إلى الإقدام على أعمال لم تعهدها النفس أيام عامه ولياليه كالبر والإحسان والصدقة وترميم جسور المودة، وإرسال خيوط المحبة وغرس الإخاء للجيران والأقرباء. إنه شهر الشوق إلى التغيير والتطوير والتبديل، والمنافسة والمسابقة في دروب المعروف وساحات الخير والحق والجمال.    وهو قادم أيضاً على أجساد معتلة بوباء الخطايا، ومحترقة من لهيب الرزايا. يقدم على جموع لا تريد أن ترى الضوء في النهار ولا النور في المساء. نفوس تموء مواء القطط حين ترغب في الطعام بلا جدوى فتقضي يومها نؤومة كالبومة. ترفرف أيديهم قبيل الغروب على المائدة بلا فائدة، ويتمثلون السكون والاحتشام كالخفاش إذا احتضن نفسه. لا يجدون وقتاً للجد، فإذا كانت الإيجابية هي أن تنظر للنصف الممتلئ من الكأس، فكؤوسهم فارغة مثل رؤوسهم. مكبلون بعاداتهم العادية وطقوسهم الشكلية وأعرافهم البالية التي أكل الدهر عليها وشرب ورمى بالسفرة في سلة المهملات. قوم قد شيكت أقدامهم على الطريق فقعدوا وأقعدوا معهم كل سائر، لاهم انتقشوها ولا تركوا العابرين يمرون بسلام. وجودهم في العالم الرمضاني كالطلح، شوك وقرْح، يزينونه بالمصابيح الصغيرة الملونة فيغدوا في الليل فاتناً أنيقاً جاذباً رقيقاً، حتى إذا جاءه المرء لم يجد إلا الشوك والألم. ومع هذا وذاك، تبقى النكهة الرمضانية مشعة كالشمس، وسماء تظل كل نفس، لا تطرد المُعرض، بل تتمد كأنها سحابة أمرت أن تمطر على الأرض الجرز فتخرج منه حُباً متراكبا، وكأن هلاله إذا هلَّ ابتسامة السماء للأرض، ونجومه مرآة لأناس من الأرض. فهو شهر لا تتغير النفوس الصغيرة فيه فحسب، بل تتغير مجريات في الكون والدنيا والآخرة، فهو ليس زمن تفاهة حتى تُحشر كل التفاهات فيه، بل هو زمن عظيم للعظماء ووقت شريف للشرفاء.
.