adsense

2019/08/11 - 6:06 م

بقلم الأستاذ عبد العني فرحتي
لا ندري لماذا نجد أنفسنا كل مرة في الحاجة إلى تشكيل لجن تتولى اقتراح رؤى وتدابير جديدة لمواجهة واقع البلاد المعتل وما يحبل به من مشاكل وأزمات، تجعله مهددا دوما بخطر ولعنة "السكتة القلبية". لماذا يكون مآل أغلب المشاريع الإصلاحية سلبيا؟ لماذا فشل النموذج التنموي الحالي في تحقيق أهدافه المنشودة؟ وما الذي جعل ثمار ما حققه من نجاحات لا تصل كل الفئات الاجتماعية، كما أشار إلى ذلك خطاب العرش الأخير ؟
 لقد كانت الإشارة إلى أنه من عوامل فشل تحقيق أهداف المشروع التنموي عوامل سياسية ترتبط بضعف أداء الحكومة وتواضع مستوى الكثير من أعضائها. ويمكن إضافة التناقضات والصراعات بين مكوناتها، وهو الأمر الذي أفقدها الانسجام الضروري للنجاح في مهامها. لذلك أصبح الحديث، في أفق بلورة نموذج تنموي جديد، عن تعديل حكومي منتظر، قد يفسح المجال لضم كفاءات، لعل ذلك يساهم في الرقي بإنجازاتها وضمان وصول ما تحقق من نتائج إلى أوسع الفئات الاجتماعية. لقد أشار الخطاب الملكي إلى أن" المرحلة الجديدة ستعرف إن شاء الله، جيلا جديدا من المشاريع. ولكنها ستتطلب أيضا نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيآت السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة".
 إن ربح رهان التنمية الشاملة يتطلب اساسا نخبا جديدة وكفاءات متمرسة مؤهلة لمواكبة الجيل الجديد من المشاريع التواقة إلى تنمية مجتمعنا على مختلف الأصعدة، كما تكون قادرة على بلورة النموذج التنموي المأمول. وإذا كان الجسم الحزبي يعاني من الضعف والإنهاك وسوء التدبير، مما أدى إلى الفراغ المهول من الأطر ذات التكوين والخبرة العاليتين، فإن ذلك جعل الكثيرين يربطون بين الحديث عن فسح المجال للكفاءات سواء عند التعديل الحكومي المرتقب أو عند بلورة النموذج التنموي الجديد، بالتمهيد لحكومة يكون أغلب أعضائها من التكنوقراط.
لقد عرف المغرب في مناسبات عديدة إشراك كفاءات تكنوقراطية، بعضها، ومن أجل إكساب الحكومة الغطاء السياسي تم " صبغها " وإلحاقها بأحزاب معينة حرصا على توزيع الحقائب السياسية بينها. ويلاحظ أن العديد من هذه الكفاءات يجمع بينها التكوين التقني العالي في القناطر والطرق. منها من وضع في المكان غير المناسب. فلا الوطن استفاد من تكوينها العالي في المجال المذكور ولا هي ساهمت في تطوير البنيات التحتية للبلد.
  لا أدري كيف أن البعض، عند التفكير في الكفاءات، لا يستحضر إلا ذوي التكوين التقني فقط؟ لماذا يتم تغييب طاقات مثقفة متمرسة على التفكير النظري الشمولي والقادرة على المساهمة في بلورة مشروع مجتمعي ونموذج تنموي يستلهم تجارب دول وشعوب أخرى؟ قد يمتلك التكنوقراطي تكوينا عاليا وخبرة ميدانية خصبة، لكنه يبقى في حاجة إلى من ينير له الطريق، إلى من يرسم له صورة الإنسان الذي نريد بناءه والوطن الذي نحلم بتحقيقه. هنا يبرز دور المثقف المنظر والسياسي الملتزم.
  لا بد من الاعتراف أن التهميش الذي طال المثقف لا يعود إلى مسؤولية الدولة فقط، هناك، للأسف أحزاب وطنية، كانت تتميز بكونها خزانا للمثقفين والنخب المتميزة في كل المجالات، إلا أنها فرض عليها البحث " عن أرض الله الواسعة". فانهار الحزب، وفوتت على الوطن فرصة الاستفادة من كفاءات حزبية متميزة قادها الإقصاء الممنهج إلى الابتعاد والانغلاق على الذات.
 تبقى الحاجة ماسة إلى إحداث ثورة عميقة في المشهد الحزبي الوطني تبدأ بتطوير قوانينها الداخلية وتجديد نخبها، ثورة تقود إلى بروز كفاءات جديدة، يساهم التكوين الحزبي الجاد والالتزام السياسي في صقل خبراتها التقنية والعلمية. بذلك، يجتمع في هذه الكفاءات الحسنيان: الخبرة العلمية والتقنية والتكوين السياسي المثمر. الأمر الذي من شأنه أن يعيد الاعتبار للعمل السياسي والثقة في الأحزاب السياسية الوطنية التي يمكن، إن هي طورت نفسها  وجددت هياكلها أن تستقطب  أرقى الكفاءات العلمية والتقنية.