adsense

2019/08/21 - 10:57 ص



بقلم الأستاذ عبد الغني فرحتي
في زمان متقارب، عاينت واقعيتين يوحد بينهما الهدف، إنه الاستفادة من خدمات مطعمية، لكن تفرق بينهما طريقة التعامل مع الزبون وسرعة الاستفادة من الخدمة.
 الواقعة الأولى، وكانت خلال يوم عيد الأضحى الماضي لحظات قبل منتصف الليل. شابة مغربية من الأقارب، تقيم بالخارج لم تعجب بالوجبات التي يتم عادة تحضيرها يوم العيد (بولفاف وما إلى ذلك)، أحست بالجوع، فأخذناها إلى مطعم له شهرة عالمية يقع بمركز المدينة. كنت أظن أنه سيكون مغلقا، لكن فوجئت بكونه مفتوحا وبوجود صف طويل من السيارات تنتظر دورها للاستفادة من وجبات سريعة، من غير أن ينزل الزبناء من عرباتهم. بين انتظار الدور وتقديم الطلبات وأداء ثمنها واستلامها، كل ذلك تم في زمن لا يتعدى العشرين دقيقة.
 الواقعة الثانية، بعد أسبوع تقريبا. المكان مقهى ومطعم كبير بمدينة إيموزار كندر، بالأطلس المتوسط. كنا نرغب في أخذ وجبة العشاء. دخلنا المطعم وتحلقنا حول مائدة من موائده. جلسنا لما يناهز أربعين دقيقة، من غير أن ينتبه إلينا أحد. لحسن الحظ، عبر جهاز التلفاز، كانت تنقل مباراة من البطولة الإسبانية. تفاعل معها البعض منا والبعض الآخر، انشغل بالبحث عن آخر ما استجد في شبكات التواصل الاجتماعي. أمام هذا الوضع، بادرنا إلى المناداة على نادل فأشار بيده بأن ننتظر قليلا.
 بعد لحظات حضر. وبعد أن أشعرناه برغبتنا في تناول وجبة العشاء، ذهب ليحضر القائمة بالوجبات التي يقدمها المحل. أكثر من عشر دقائق تبخرت قبل أن يعود حاملا القائمة. وبعد أن حددنا اختياراتنا، عدنا للانتظار مرة أخرى لمدة ليست يسيرة. عاد النادل وأخذ الطلبات، وعدنا إلى متابعة ما تبقى من المباراة أو إلى الإبحار عبر الشبكة العنكبوتية. لحظات طويلة مرت قبل أن يظهر النادل حاملا قنينة من الماء. وضعها على المائدة ليختفي من جديد لمدة تقارب الربع ساعة. كاد صبرنا ينفذ لولا أن رمقناه متجها نحونا وهو يحمل قنينات صغيرة تحتوى على زيوت وتوابل.
 خلنا أن ساعة الفرج اقتربت، وأن أمعاء بطوننا التي صارت، بفعل الانتظار الطويل، تعزف سانفونيات غير معهودة ستستقبل من الطعام ما يطفئ جوعها، غير أن " الصدمة كانت قوية، كانت قوية" حين حضر النادل، بعد كل هذا الانتظار الطويل والممل، ليشعرنا، من غير أن يبدو عليه حرج أو ميل للاعتذار، أن الوجبات التي طلبناها نفذت. لم نكن وحدنا، كانت أسر أخرى تنتظر، وستصدم هي الأخرى.
 نسيت الجوع، وأصبح همي هو التحكم في أعصابي والتحكم في ردود فعلي وردود فعل من معي. لا أريد لعطلة بمكان قصدناه للاستمتاع بجوه المعتدل وبمناظره الطبيعية الجميلة أن يتحول إلى كابوس مزعج. فلا شك، أن طريقة تعامل المشرفين على هذا المطعم "العصري" في مظهره وتجهيزاته، الكبير في مساحته، مع الزبناء ( لم يحملوا نفسهم عناء الاعتذار)، ربما يضمرون خبثا أكثر نربأ بأنفسنا على مواجهته.
 لا يكفي إقامة مقاهي ومطاعم تصرف عليها الملايين من أجل تجهيزها التجهيز الحديث وإكسابها رونقا جميلا بل إن المطلوب أساسا هو تأهيل العنصر البشري الذي يؤمن بأن " الزبون ملك " وأنه من الواجب إرضاؤه وتقديره في التعامل معه.
 لا يمكن إطلاقا المقارنة بين خدمات المطعم ذي الشهرة العالمية وبين المطعم الذي قادنا القدر إليه في تلك الليلة. المكان بأرض المغرب والزبناء مغاربة في غالبيتهم، هنا وهناك، لكن المعاملة ليست هي هي. منذ عقود والحديث عن الطموح إلى استقطاب ملايين السياح، غير أن الواقع حاليا يسير عكس المخططات: إن ما يناهز مليون مغربي، أصبح يؤثر السفر إلى الخارج حيث المعاملة أكثر تحضرا والكلفة أقل، خاصة بعد أن أصبحت مطاعم ببلادنا لا تخجل وهي تقدم قنينة من الماء المعدني الذي يباع في الأسواق بست دراهم، بأربعين درهما؟؟؟
إن غلاء الخدمات عبر كل مدننا السياحية ــ وأقول كل المدن ــ وتدني الخدمات (أحيانا يشتكي السياح، مغاربة وأجانب من تعرضهم للنصب والاحتيال من طرف بعض المطاعم والمقاهي) وسوء التعامل مع الزبناء، عوامل ضمن أخرى، ستساهم، لا محالة، في زيادة أعداد من يختار قضاء عطلته بالخارج، مع ما ينتج عن ذلك من استنزاف للعملة الصعبة التي تظل الدولة في حاجة ماسة إليها بحكم الوضعية الاقتصادية المقلقة.