adsense

2019/08/29 - 3:17 م


بقلم الأستاذ عبد الغني فرحتي
بدا وكأن يوم القيامة قد حان وأن الطوفان الكبير يجتاح المكان. مشاهد مرعبة تبعث على الذهول والدهشة، كما تبعث على الحزن والأسى. لنتصور فصول لحظات مثيرة، لا يمكن للمرء أمامها سوى استحضار كل ما يعرفه أو يتخيله عن يوم القيامة الموعود:
شباب يركضون وراء الكرة، في مقابلة تجمع بين فريقين من دوارين من دواوير جماعة امي نتيارت، التابعة لدائرة إيغرن، إقليم تارودانت، على بساط ملعب، شباب في تنافس رياضي ظنوه فرصة لنسيان واقع البؤس والتهميش الذي يعانون من وطأته.
جمهور جالس على مدرجات بجانب الملعب، أو من فوق مقهى ــ كما يبدو من بعض الأشرطة المصورة الموثقة للحدث ــ يتابع المقابلة ويبعث بتشجيعاته للفريقين المتنافسين، شيئا من الدفء والروح في ذاك العالم المنسي المقصي ، عالم يوجد " وراء الشمس" كما يقال في لغتنا المتداولة، . فجأة، اجتاحت المياه أرضية الملعب، واختلطت بترابه. ببراءة طفولية، تشبت بعض اللاعبين بمواصلة اللعب ظنا أن " السحابة عابرة". لكن سرعان ما تبخر الظن واتضح أن "الساعة أزفت" وأن الجميع ممن تواجد بالمكان، يواجه الطوفان الكبير.
 كم كان المشهد مؤلما ونحن نتابع شريطا يوثق للحظة انهيار المقهى التي تجاور الملعب، بعد أن تجمع الهاربون من السيول المدمرة بسطحها،
كم كان الرهبة تغمرنا ونحن نرى كيف جرفت المياه المقهى بمن فيه. لا شك في أن المستنجدين بسطح المقهى، وهم يعيشون لحظة جريان السيول بتلك القوة الهوجاء والمياة تحيط بهم من كل جانب، استحضروا رد النبي نوح، عليه السلام، على ابنه الذي رفض ركوب السفينة: " لا عاصم اليوم من أمر الله ".
قامت القيامة بدوار تيزت يوم الأربعاء 28 غشت، وكانت النتيجة كارثية بكل المقاييس، قتلى ومفقودين. نعم، من شروط الإيمان، الإيمان بالقدر خيره وشره، الإيمان بأن الكوارث الطبيعية قدر ومصيبة قد تقع في كل أرجاء العالم. ومع ذلك، يبقى الإنسان يتحمل قسطا من المسؤولية في توقع هذه الكوارث والاستعداد لها ومواجهتها. نعم لا يمكن له ردها ولكن يمكن له، على الأقل التخفيف من خسائرها المادية والبشرية خاصة.        
لا أدري هل مديرية الأرصاد الجهوية قامت بدورها في الإنذار بتعرض المنطقة لأعاصير قوية ودعت السلطات المحلية وإلى اتخاذ الحيطة والحذر؟
هل موقع الملعب تم تشييده وفق تصاميم تراعي قربه من مجرى مياه واد. قد يكون جف بفعل تناقص نسبة التساقطات المطرية بالمنطقة. لكن الجميع يدرك أن النهر لا ينسى مجراه، كما يقال، وأن المنطقة تظل معرضة باستمرار لخطر السيول المدمرة؟.
بعد الله تعالى، لا شك أن هناك جهات تتحمل مسؤولية أن تكون "العاصم" في مثل هذه الأخطار والكوارث: مديرية الأرصاد الجوية وواجب الإشعار والإحاطة والتبليغ عن أي تحول مناخي منذر، السلطات المحلية، التي ربما أخطأت التقدير حين بادرت إلى إقامة، ولا نقول تشييد، ملعب في مكان يظل خطر اجتياح المياه له قائما باستمرار.
لا شك أننا نحزن أشد الحزن لما حل بشباب، بمواطنين، كانوا يأملون إذابة جليد الغربة التي يجترعون مرارتها وهم في وطنهم، في ذلك المكان المنسي. لا شك أن الغضب عارم من غياب وسائل، كان وجودها، ربما سيخفف من الآثار السلبية أمام هذا الخطب الجلل.
خالص تضامننا مع ساكنة دوار تيزرت، جماعة امي نتيارت، دائرة إيغرن، إقليم تارودانت. نسأل الله تعالى الرحمة والمغفرة للموتى والصبر والسلوان لذويهم، كما نرجو الشفاء العاجل للمصابين والمكلومين.