adsense

2019/08/26 - 2:05 م


بقلم الأستاذ عبد الغني فرحتي   
وضع الخطاب الملكي الأخير، بمناسبة عيد العرش تقييما دقيقا لما تحقق خلال هذين العقدين من العهد الجديد. لا يمكن أن ينكر أحد ما تحقق من منجزات، وهو أمر وقف عنده الخطاب الملكي، على مستوى البنيات التحتية، منجزات صار المغرب يتبوأ بفضلها مواقع ريادية: الميناء المتوسطي، محطات الطاقات المتجددة، الطرق السيارة، القطار الفائق السرعة وغير ذلك، منجزات لا يمكن أن تكون إلا مبعثا للفخر والاعتزاز.
 لكن الخطاب الملكي سجل كذلك، وبكثير من الجرأة أن ثمار ما تحقق من إنجازات، لا يتذوقها الجميع. لازال المغرب يعاني من تفاوتات صارخة اجتماعية ومجالية تقتضي ضرورة التفكير في نموذج تنموي جديد يعمل على تجاوز مظاهر القصور الكثيرة التي ظلت عالقة بالنموذج التنموي المعمول به حتى الآن. ولعل من العوامل التي قادت إلى فشله، ضعف أداء الحكومة والتناقضات القائمة بين مكوناتها. فكثير من الزمن السياسي يهدر ويستهلك، من طرف وزراء ومسؤولين حكوميين، في تبادل الاتهامات.
 فضلا عن ذلك، أية قيمة مضافة يمكن أن ترجى من مسؤول و"قيادي" في حزب سياسي، وهو كلما تحدث إلا وأثارت أقواله الكثير من اللغط والسخرية ( يمنع إيقاظ الأطفال في المخيمات الصيفية لأداء صلاة الصبح لما لذلك من تأثير سلبي عليهم؟؟؟ / التقواس على زياش...).
كيف يمكن أن ينجح نموذجنا التنموي وقطاع حيوي يشكل المشتل الأساسي لتكوين العقول واستنبات الكفاءات، يوجد على رأسه من يعجز على قراءة جمل مكتوبة بلغة رسمية للدولة؟؟؟
 ماذا يمكن الانتظار من مسؤول طغت أخبار فتوحاته العاطفية على أخبار تدبيره لقطاع حيوي واجتماعي بامتياز؟
  إن دعوة الخطاب الملكي إلى تشكيل لجنة تتولى بلورة معالم نموذج تنموي جديد، وما سبقه من إشارات إلى تطوير الأداء الحزبي وتجديد النخب، يفرض التفكير جيدا في الفاعلين الذين ستوكل لهم مهام السهر على إنجاح هذا النموذج المنشود.
  لقد بدأ التلويح بضرورة تعديل حكومي، يفتح الباب أمام كفاءات وطنية. قد يعني ذلك حكومة للتكنوقراط. وهذه فكرة تستحق أن نقف عندها. لقد تم تجريب، ولعدة مرات، إسناد مناصب سياسية حساسة لكفاءات تقنية، و"صبغ" بعضها بألوان أحزاب سياسية، وهو ما يؤكد الخواء الذي تعرفه العديد من الأحزاب السياسية من الأطر ذات التكوين والكفاءة. وتبين أن هذه التجربة لم تكن مثمرة، إما لكون هذه الكفاءات لم توضع في المكان المناسب أو أنها وبحكم طبعها التكنوقراطي المحكوم بهاجس الأرقام والتوازنات، يكون أداؤها فاترا مادامت لا تخشى المحاسبة عند الاستحقاقات الانتخابية.
 في المقابل، استشرت العلل في الأداة الحزبية وأصبحت، نظرا لتغييب الديموقراطية الداخلية وطغيان منطق القرابة والزبونية ورفع شعار " أرض الله الواسعة " أمام النخب الطامحة للتجديد، قلما تجود بكفاءات، يمكن أن تبصم على أداء متميز وهي تتحمل وزر تدبير الشأن العام.
نحن إذن، بين المطرقة والسندان:
 ــ بين الحاجة إلى حكومة سياسية، منبثقة عن أحزاب من المفروض أن تلتف حول برنامج انتخابي واحد، تحول الرؤى التي يشملها النموذج التنموي الجديد إلى واقع ملموس تمتد ثماره لتصل كل الفئات الاجتماعية وكل المجالات الترابية، وبين الضعف الفظيع الذي يعترى الأداة الحزبية التي تكاد تخلو من كفاءات يمكن أن يعول عليها.
 ــ بين فسح المجال للتكنوقراط، وهؤلاء قد يتميزون بتكوين عال وبخبرة ميدانية، وبين كونهم كثيرا ما ينظرون إلى ذواتهم كمجرد أطر تقنية موكول لها التنفيذ فقط.
 تبقى الحاجة ماسة إذن، إلى ضرورة أن تتحمل الأحزاب السياسية مسؤولية إعادة تأهيل ذاتها وإعادة نبض الحياة إلى مقراتها المحلية والوطنية التي بقدر ما اتسعت مساحتها وجهزت أركانها بأحدث الوسائل، بقدر ما دب في أرجائها السكون وكادت تخلو من الحركة، اللهم عندنا تقترب مواعيد الاستحقاقات الانتخابية ويلتهب سعير اللهاث حول التزكيات.
 لا بد من كفاءات تجمع بين التكوين الحزبي والالتزام السياسي وبين التكوين العلمي والخبرة الميدانية. وحين تجد هذه الكفاءات المناخ المناسب لصقل خبرتها وإبراز طاقتها، فإنها ستضمن الإشعاع اللازم لإطاراتها السياسية حين ستتاح لها فرصة إثبات الذات وقد فتحت أمامها باب المشاركة في تدبير الشأن العام وبلورة وإنجاح تنزيل النموذج التنموي المأمول القادر على تجاوز اختلالات وعثرات النموذج السائد إلى حدود الآن.