بقلم الأستاذ حميد طولست
هذا عنوان المقال
اقتبسته من شعار رفعته إحدى كبريات الجامعات الأمريكية ، لأتطرق لظاهرة واستفهام الإنسان
الدائم عما حوله عبره السؤال -الذي عمره من عمر النطق عند الإنسان- والذي هو وسيلته
الأساس إلى المعرفة والاكتشاف وإدراك ما يجهله من الأسرار المحيطة ،
لكن شغف الإنسان
الطبيعي بمعرفة ما يحيط به ، وانشغاله الدائم بما يدور حوله ، وإصراره على البحث في
كيف هذا ولما ذاك ، و ملاحقة متى وأين وهل ، وغيرها كثير من الاستفهامات التي غالباً
ما تؤدّي الإجابة عنها إلى ولادة استفهامات عديدة غيرها لا تخطر على البال ، حولته
إلى علامة استفهام كبيرة بائسة ، لا تمل من التدخل في شؤون الغير والمبالغة في استباحة
خصوصياتهم ، المنافية للأخلاق ، والتي حذر منها الإسلام، ودعا نبيه صلى الله عليه وسلم
المسلمين إلى تجتنبها ، بقوله: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" ،
ولا تكل من حشر أنفها التدقيق في كل ما يستحق البحث والدراسة والتمحيص من عميق التساؤلات
الخلاقة ، والتي يُستحسن أن يتغافل عنها الإنسان النبيل مرة ، ويتغابى حيالها مرتان
، ويتجاهلها مرات ومرات ، كضرورة لوقاية النفس من المشاكل المجانية ، واستمرار العلاقة
بين الناس ، وإحباط كل ما يمكن أن يستدرجه لمستنقعات تفاهة مراقبة تفاصيل أحوال الغير،
والتدقيق في أبسط التفاتات حياتهم ، وأدنى حركات أجسادهم ، والانتباه لأخف شرود أعينهم
وارتجاف نبرات أصواتهم ، وإعطائها ألف معنى ، وكأنها طلاسم تحوطها الألغاز والأسرار.
هذه الدعوى -للتغافل
والتغابي والتجاهل - لا ترمي إلى تكميم الأفواه ، وتغييب العقول ، وتوقيف نضج الوعي
، ولا تروم حرمان الناس من حقهم في النظر والتدبر والتفكر والتعقل وإبداء الرأي في
كل ما يدور حولهم من أحداث وتطورات بغية الوصول للحقيقة التي جعلها الإسلام ضَالَّةُ
الْمُؤْمِنِ ، بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ
الْمُؤْمِنِ فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا"، وإنما هي دعوة لوضع أمر
التعامل بين البشر في نصابه المستحق والسوي ، الذي يجب أن يُتجنب فيه وخلاله المبالغة
في تتبع أحوال الناس ، والتدخل في شؤونهم الشخصية ، واستباحة تفاصيل حياتهم ، السلوك
غير المقبولة اجتماعيًا والعادة المرفوضة دينيًا، والمنتشرة ، مع الأسف ، بين الكثيرين
بمختلف عقلياتهم وطباعهم وأخلاقهم ومعتقداتهم ، والذي لا شك في أنه يهوي في الغالب
بالعديد منهم إلى الجنون والتهلكة ، لما فيه من الانصراف عن معرفة النفس ، التي هي
غاية المعرفة وأنفع المعارف ، والتي لو أتقن المرء قراءتها بشكل جيد ، ووفاها ما لها
عليه من حق وواجب الاهتمام والتدارك والتقويم والمعالجة والتشجيع على تبني فعل الخير،
وكفَّ عن إشغالها بأمور بعورات الناس ، لعرف الإنسان قيمة نفسه ، ولاستفاد من قدراتها
التي هي المنطلق لقدرته على التعايش والتساكن والتعاون مع غيره ، أساس سَلامه وارتياح
سريرته هناء عيشه ، الأمر الذي لا يتأتى إلا بتزكية النفس -الأمارة بالسوء - والارتقاء
بها إلى ما يحبه الله تعالى ويرضاه ، بمجاهدتها، والانخراط الإيجابي في تغييرها طبقا
للقاعدة الربانية : "إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا
مَا بِأَنْفُسِهِمْ" الرعد11 ، التي تفرض على كل مسلم يخشى الله ، مراعاة حاله
أولا والابتعاد عن أمور الناس ، إلا لما فيه مصلحة الجميع ، مصداقا لقول تعالى:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ
ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ "المائدة : 105.
وصدق قوله سبحانه
وتعالى : "وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ"