adsense

2021/02/22 - 12:28 ص

بقلم عبد الحي الرايس

رُكْنٌ ركينٌ في استدامة المدينة، أيِّ مدينة، مادامت هي الحاضنة لكل تساكن وتعايش، والباعثة على كل تمدن وتحضر، تتوافد عليها أطيافٌ شتَّى، مُلتمسة الاستقرار والأمان، والاستفادة من مختلف الخِدْمات.

وفي تصميم المدينة تبرُز الشوارع والدروب، كما تتشعب في جسد الإنسان الأنسجة والعروق، هي شرايين الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وسبيل تنقل وتواصل، وهي في الآن ذاته سببُ سعادة ونجْوَى، أو مصدر خطورة وبلْوَى.

ورهانات الطريق أن تُيسِّر قضاءَ الحاجات، وتُؤمِّنَ السلامة لمختلِف الفئات

وقد مَرَّ على المدينة رَدَحٌ من الزمان مَنحتْ فيه الأوْلوية للسيارات تجوبُ الشوارع وتصلُ إلى عُمْق الحارات، فكانت لها خطورتُها في ارتفاع حصيلة الإصابات، وتزايد الانبعاثات، إلى أن تنبَّه الإنسان إلى أنه بغروره واندفاعه كان كمن يسعى إلى حتفه بظلفه، وبأخطائه سَرَّعَ التغيرات المناخية، ورفع درجة حرارة كوكبه، وجعل مستقبل الأرض وحياة الكائنات عليها مُهدَّدة بالدمار والانقراض.

وقد أن الأوان لتستخلص المدينة الدروسَ والعِبَر مما طرأ من تحولاتٍ على مَرِّ الزمَن.

تفطنت إلى ذلك مُدُنٌ في شمال الأرض فجعلت وُكْدَها وغايتَها تقليصَ حضور السيارات، وإعطاءَ الأولوية في تصميم المدينة ،وتدبير تنقلاتها إلى النقل الحضري والدراجين والمشاة.

فصرْتَ ترى النقل الحضري يتنوعُ ويتكاملُ بين ترامواي، وحافلةٍ ذاتِ مستوى عال في الخدمة، وحافلاتٍ كهربائية، تَجُوبُ مختلِفَ أرجاء المدينة في مسارات مستقلة بدقةٍ مُتناهية، وتُمكِّنُ مُستعملها من الوصول إلى هدفه في زمن قياسي بتذكرةٍ واحدةٍ ذكية، ثم القطار عالي الجودة، وفائق السرعة في الانتقال من مدينة إلى أخرى، ومن قطر إلى آخر، مُغرِياً بالإقبال عليه كل الفئات الاجتماعية، مما جعل عُمدة مدينةٍ رائدةٍ يُنوِّهُ بذلك قائلاً: "مِعْيارُ تَقدُّمِ بَلَدٍ ما ليس في أن يمتلك فقراؤُه سيارات، ولكن في أن يستعمل أغنياؤه النقل الحضري العمومي"

أما الدراجون من مستعملي ذوات العجلتين أو الثلاث فأعدادُهم مُتزايدة، يتنقلون في مسالكَ خاصة، ويرقى الأمرُ إلى تنافس المدن في توفير دراجاتٍ في العديد من المحطات تُوضَعُ رَهْنَ إشارة المُشتركين للتنقل بها لقضاء أغراضهم، ورَكْنِهَا حيث يقصدون، دون هاجس اقتناءٍ، ولا صيانةٍ، ولا حراسة.

وأما أمْرُ المُشاةِ فشأنٌ آخر، ذلك أنهم يَحْظَوْن بكامل العناية وموفور الاهتمام، فمساراتُهم مُحْتفَى بها أيَّما احتفاء، وهي بما يُوصِلُ إليها من ولوجيات، وما يتوفر لها من صيانةٍ وخُلُوٍّ من الأخطار، وما يُؤثثها من أزهار وأشجار، تُغري الكثيرين بالتنقل عبْرها بمتعة وانشراح.

هذه المواصفاتُ ليست تعبيراً عن أحلام، ولا ضرباً من الخيال، وإنما هي تقريبٌ لما حققته مُدن، وما تُرَاهِنُ على بلوغه والوصول إلى تعميمه، في سياق تحدِّي تحقيق المدينة المستدامة، شعار العصر، التي يُصِرُّ المُنتظم الدولي على جعلها فضاءً للتعايش، وإطاراً لتنزيل أهداف التنمية الستدامة.

والمدينة المغربية أيا كان حجمُها وموقعُها مَدْعوة إلى الاشتغال بهذه الرؤية، والتخطيط لتجاوز مدينةٍ تُوَسِّعُ شوارعَها لتصير حلبة للسيارات، وما يُسْفِرُ عنه التنافسُ بيْنها من حوادثَ وآفات، إلى مدينة للنقل العمومي والدراجين والمشاة، ففي ذلك تنقية للأجواء، ومُتعة للسكان والسياح، وإنقاذٌ للأرواح.