adsense

2017/06/03 - 11:50 ص



بقلم الأستاذ حميد طولست


العطلة كلمة ذات وقع سحري ومحبب للجميع، ينتظرها الإنسان الذي يتبني الفكر المثالي في العمل والحياة الناس ، من وقت لآخر، كوسيلة مثلى لتحسين الصحة النفسية والعقلية والجسدية ، وطريقة إيجابية لكسر حالة الملل لديه والتخلص من رتابة العمل وروتينيته ، وهي لا تعني أبدا ،عند الكثير من الأمم المتقدمة وتلك التي ترغب في التطور والتقدم ، مجرد تفضيل للكسل أو عزوف عن العمل ، أو هروب من القيام بالواجب ، كما هو حالها ومعناها في عوالمنا العربية والإسلامية - التي تدعي الرغبة في التطور والتقدم ، ومغربنا من بينها طبعا - التي ترتكز فيها على  قواعد مدعمة لكل ما يعود عليها بالويل ويجر للتخلف ، حيث نجد إنسانها العربي عامة والمغربي على وجه الخصوص دائم البحث عن العطل والإجازات ، الرسمية منها والعرضية ، الدينية و الوطنية ، ربما أكثر من العمل نفسه ، الذي هو لديه هواية وليس احترافًا ، وفرض كفاية وليس فرض عين ، فلا يصحو من عطلة، حتى يبدأ في حساب عطلة أخرى ، متى تأتي وكم عدد أيامها، وهل يمكنه إلحاق ما قبلها أو ما بعدها من الأيام، لتطول مدتها ، كعيد الفطر وعيد الأضحى عيد الاستقلال وعيد العرش وعيد العمال وغيرها من الأعياد، وباقي الإجازات العرضية ، الإجازة المرضية وإجازة الوضع ورعاية الأسرة والعقيقة والوفاة ، إضافة إلى العطل الأسبوعية التي تفوق المائة يوم ، التي هي حاصل ضرب يومي السبت والأحد في 52 أسبوعًا والذي يعطي 104 يوما في السنة ، ما يجعل منا المواطن أكبر متسولي الدنيا للعطل والإجازات ، التي أضحت لدينا قاعدة وأساسا ، بينما يبقى أيام العمل عندنا من قبيل الاستثناء فقط ، كما يحدث في شهر رمضان الذي هو عندهم الجميع ،إلا من رحم ربي، إيذان بشهر العطلة العظيم، حيث يُتسابق خلاله لاقتناص لحظات اللاعمل بدعوى التعبد بالصيام والصلاة والتسبيح وتلاوة القرآن ، والتي تكشف الواقع بكل وضوح أنه يبقى كلاما بلا مفعول ، ويؤكد أن ما نقوله ونصرح وننادي به مجرد أصوات تخرج من الأفواه ولا تمر أبداً بالعقول ولا بالقلوب ، وتترك أساس وقيم الدين الحنيف الحقيقية الداعية لإصلاح النفس وتحليها بالمبادئ والقيم الحسنة والصفات الحميدة التي بعث سبحانه وتعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم لاستكمال منظومتها ، وعلى رأسها العمل الصالح.
فهل بهذا المنطق اللامنطقي الذي يستوي - مع الأسف - في ميزانه الجميع ،إلا من رحم ربي ، يمكن أن يتطلع من يغط في نوم العطل والإجازات التي لا نهاية لها ، إلى غد أفضل ودخل أوفر وظروف أحسن ، وهل بمثل ذاك السلوك الشاذ - الشبه متفق عليه -الذي لا يبني وطنًا متقدما ، ولا يؤسس حضارة حديثة ،  يمكن أن يحقق تنمية وازدهار ، من قرر أن لا يعمل إلا لمامًا خلال شهر كامل ؟  في مخالفة سافرة  لما اتفقت عليه الأعراف والقوانين الوضعية وأقرته وحثت عليه التشريعات السماوية من أخلاق فاضلة وخصال حميدة ، وعلى رأسها العمل الصالح ، كمبدأ أساسي لإصلاح حياة الناس وأحوالهم، ووعدت الجاد والمخلص فيه بحياة طيبة وبثواب كبير، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى الذي يؤكد على أنه لا شيء ينفع المرء في دنياه وآخرته غير العمل الصالح كما جاء في سورة النحل الآية (97): "من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" ، صدق الله العظيم.
ــــــــــــ لو قلت أن ما سبق يكشف أننا مجتمع غبي ، فقد يغضب ويستاء مني البعض ، وقد يتهمني البعض الآخر شتى الإتهامات ،رغم أنهم على يقين من أنهم بالفعل يعيشون في مجتمع غبي ، لكنهم يموهون الغباء الفاضح ، بحديثهم الدائم عن السلوكيات القيمة والأخلاقيات الراقية التي حثنا رب السماوات ونبيه صلى الله عليه وسلم على ضرورة الاتصاف بها ، ويوصون بعضهم البعض بها ، ومن بينها العمل .