adsense

2021/02/05 - 11:59 ص

بقلم عبد الحي الرايس

قل للعائدين بعد اغتراب، وللزائرين بعد إثراء، كُفُّوا ألسنتَكم عن الرثاء.

ففاس الأبية مثوى الأجداد، ومشتلُ الأفذاذ، وموئلُ الرواد، وصانعة الأمجاد، لن ينال منها بِلىً، ولن تطغى عليها أحداث.

هي في مطلع الفجر تتزيَّى بوشاحِ الورد على مشارف زلاغ، وعند الأصيل تتحلى بأزهى ألوان الطيف على مدارج تغات، وفي سحابة يومها تصون العهد، تنسج الود، تتدبر الأمر، وترنو إلى مستقبلٍ واعدٍ آت.

تَمَرْحَلَتْ فاس، وانتابتْها زلازلُ وسيولٌ وأحداث، وكالفينيق لا تفتأ تنضو جلدها، وتستردُّ عُنفوانها، وتُطِلُّ من عليائها بشموخ واعتداد.

شيوخُ اليوم شبابُ الأمس عاينوا التحولات، واكبوا الصعوبات، عايشوا الهجرات، وأنُّوا لما طرأ على المدينة الخالدة من مُسْتجَدَّات، ولكنَّ ما تَرَاكَمَ لديهم من تجاربَ وخِبْرات علمهم أن الشوائبَ لا تلبث أن تصير في خبر كان، وحُكْمِ عَرَضٍ فات، وأن المدينة الصامدة لا تلبثُ تصنعُ مَصِيرَها، وتتطلعُ بيقين إلى غدٍ أفضلَ آت.

وسيأتي الغَدُ مُحَمَّلاً بصروحٍ للثقافة تُعيد المجد الذي كان، وستعم الخضرة كل فضاء، ويفوح الشذا من كل مكان، وسينساب نقلُ أخضرُ واصلاً بين مُختلِفِ الأرجاء، وسيتم الوصل بين جديد المدينة وعتيقها بمسارات مُشعِرةٍ بالأمان، مُغْرِيَةٍ بالاِرْتياد، وستتكافأ الأحياءُ هامشُها مع تليدها مُؤلِّفَة بين السكان، وستنضو المعالمُ عنها رداء البِلى، وتصيرُ مَقْصِدَ كل شغوفٍ بالأمجاد، مُغْرَمٍ بالتراث.

مُجايِلاتُ فاس بعضُها انْدثر، وبعضُها استكان وتعثَّر، وقَدَرُهَا برصيدها وأصفيائها ودعاءِ بانيها أن تتجدد.

فاس تتأبى على الرثاء، وتُبَارك كل تعبئة وتصميم على توفير أسباب الاستدامة، وترشيد العمران.