adsense

2020/03/19 - 4:44 م


بقلم الأستاذ حميد طولست
المشاكل والأزمات والبلايا كشافة لمعدن الناس ، مجلية لكامن صفاتهم ، معرية لحقائق مراتبهم ، فاضحة لشخصياتهم قوة أو ضعفا من خلال اتزان أو سلبية تصرفاتهم التي يفرضها ظروف ما يلم بهم من شدائد وبلايا ، تقوي عوائم البعض وتجعلهم مستعدين لبذل الجهود الفرعونية لمواجهة تقلبات الدنيا ، وتجاوز محنها بسلام أو بأقل الخسائر، كحال إنسان الضفة الأخرى الكافرة ، الذي يؤمن بأن خلق الله له لا يعني تواكله وإعتماده عليه فقط ، ويعلم أنه ملتزم بالأخذ بالأسباب المادية لتفادي الكوارث ورد اضرارها ، دون ركون أو تقاعس أو إنتظار ، كما فعل الذين يؤمنون بأن الخلاص الفردي غير مجدي ، وأن النجاة من الأخطار رهين في الجماعة والعيش المشترك وفي التعايش الجماعي الجمعي - والذين ننعثهم مع الإسف بالكفار-وأخذوا أمر وباء "كورونا" على محمل الجد ، وبذلوا الجهود القمينة بمجابهتها ، واستنفروا جميع الوسائل الكفيلة بوقف انتشارها ، وسلكوا كل الطرق الموصلة لموجاهة آثارها السلبية ، معتمدين على  العمل التطوُّعي ، الذي هو أحد مكونات مجتمعاتهم المدنيّة ، والذي تزداد أهميته وتعظم مكانته كلّما زاد تقدُّم المجتمع ، فيتحوّل من عمل تطوعية فرديّ إلى أعمال تطوعية جماعيّة ومبادرات تبرعية إنسانية مُنظَّمة لخدمة الإنسان وتنمية الوطن ، كتلك المبادرة الرمزية التي أقدم عليها الخياط الإيطالي الذي يوزع كل يوم كمامات على المواطنين مجانا وهو يجهش بالبكاء لما وصلت إليه بلاده إيطاليا ، غيره كثير من التبرعاتهم الحاتمية الفرعونية، التي أقدم بها إمبراطور العطور الذي تبرع "جيورجو أرماني" لوطنه إيطاليا والمقدرة بــ 250 مليون أورو ،  و"رونالدو" حول فنادقه بالبرتغال إلى "مستشفيات" لعلاج المصابين بكورونا ، ومبادرة "بيل غيتس"  الذي تبرع بنحو 150 مليون دولار ، وصاحب موقع علي بابا،  الذي تبرع بـ144 مليون دولار لتمويل أبحاث لقاح فيروس ، وشراء مستلزمات طبية لمقاطعة ووهان وهوبي، حيث تفشى الفيروس ، وغير ذاك كثير من المبادرات التي يقصد من وراءها تكريم الأنسان ورفع الهم والكرب عنه ، وتهوين شعور الحزن والحسرة وتحديات حياة الناس ، دون تمييز عنصري أو تفرقة بناء على لون أو دين أوطائفة أو عرق، والتي يتنسم من خلالها المتطوعون والمتبرعون أريج التطوع وعطر العطاء ، الأريج والعطر الذي تزيده فوحانا وانتشارا ، مبادرة الملك الكريمة  ،المتمثلة في "صندوق للتضامن ضد فيروس كورونا"  الذي ما أن أعلنت جلالته عن رَصْدِ اعتماد مهم به حتى ارتسمت الابتسامة على الشفاه ، وغمرت السعادة في القلوب ، وتلاحقت إمدادات من الموسرين الذين أغوتهم بادرة التبرع ، الذي لن تقتصر على ذوي الدخول العالية، وسينخرط فيها جميع المغاربة بكل حماس وتلقائية وحماس بعد أن  استشْعروا جدية المبادرة ، ولمس رجع صداها في مواجهة الشدائد وبناء القدرة على الصمود في وجه هذا الوباء ، ضدا في المرتزقة ، والسفسطائيين ، والمتاجرين بالكلام الفارغ ، الذي لا قيمة له ولا يعول عليه  في نفع الناس في هذه الظروف العصيبة ، والذي لا تتثقن الجماعات المتأسلمة المهزوزة الغافلة والمُستعَبدة غيره في مواجهة أي مصيبة أو دفع أي كارثة ، والتي تكتفي بإدعاء الخيرية والوسطية والفارقية على كل الأقوام والأجناس ، الذين يحصرون تفكيرهم في أفق فكري ديني ايديولوجي ضيق، لا يتماشى مع الإرشادات العلموية وتوصيفات التطوع والعطاء والكرم ، والتي تبقى لديهم ، وفي كثير من الأحيان ، تكتيكا شعبيا لا يلجؤون إليها للشعور بالطمأنينة والرضا عند مساعدة الآخرين على مواجهة المصاعب ، وإنما يتصنعوه رغبة في حصول على تقدير الغير ، أو لخلق سمعة حسنة ، لأن العطاء بقدر ما هو عمل انساني ، قد  يكون عملا أنانيا إذا لم يكن لوجه الله وللمشاركة فيما ينفع الناس.
 كم هو رائع أن تشارك في خير الناس،  لأن "أخيرَ الناس أنفعهم للناس" كما يقال ، وخير دليل على ذلك الصين التي أعطت المثال، وحققت الإعجاز، حين هزمت كورونا بوعي شعبها التطوعي ، وليس بكثرة الصلوات والأدعية ، التي لست ضدها أبدا..