adsense

2015/07/22 - 2:14 ص



قصة قصيرة
شدى ''حمو اليازيد'' يصدح من مذياع صدأ من الدخان وشح النظافة ''ايناس ايباضاض ماخ اتبنو ككول ــ بنوك تساع هان اشال اعدان'' يدغدغ سكون الصباح و مشاعر زبائن لازال النوم يداعب أجفانهم.. 
صباح ربيعي تنفث أشجار البلوط نسيما يعبر حقول النعناع فيؤلف و رذاذ شلالات الهضبة عبقا لذيذا يزحف نحو بيوت طينية تفتح صدرها لاستقبال هواء طري، يرفع عنها عطن طراوة المكان واختلاط الدواب و البشر في السكن.. 
نباح ''لايكا'' كلبة مولاي التوه، التي ترد بدلال سافر وهي تراقص ذيلها ونصفها الخلفي على مغازلة كلاب شاردة..أثارت انتباه المعلم المعطي السفانجي..
تأخر مولاي التوه اليوم؟؟ تساءل المعطي ..
أجابه معاونه الذي يقف على''كونطوار'' المحل يلف الإسفنج للزبائن.. 
ها هي حميره و كلبته وحدها ..
وأين هو ؟؟ مبديا نوعا من القلق..
تدخل زبون: ربما هو مريض أو لديه التزام أثناه عن الحضور فترك الحمير تقوم بالواجب، انه يدرك قدرتها على القيام بذلك وحدها ..
''مي الغالية'' المكلفة بإعداد الشاي، لها دلال خاص وألفة مع مولاي التوه، كان لها رأي آخر: ''هاداك راه بحال الجن بسبع رواح ميمرض مايوقعلو والوا دابا تشوفوه جاي''.
أما ''السعدية'' التي استيقظت اليوم باكرا خلافا لعادتها، هي واحدة من بائعات المتعة اللواتي يعشن في القرية منذ حل بها ''البرطقيز'' الذين اعتقلوا في الحرب وجيء بهم لخدمة القياد، قالت و الغل ينط من جنبات فيها ''راه بايت مع الجنية ديالو ونسا راسو. حق الله أمي الغالية، عيينا معاه أنا والبنات ولا بغا ايجي ندوقو فلوسو. الله اعفو علينا وعليه. تايقولو الجنيا غزالة وكاتغير عليه عندو الزهر المسخوط ''.
 انتشرت القهقهات في المحل و انطلق اللغط، الكل يريد ان يحشر نفسه في الموضوع، لولا إن عمي المعطي تدخل بحزم بعدما أخفى ابتسامته التي كادت تفضحه و قال: إذا لم يظهر إلى غاية الظهر يجب إن نسال عنه فحاله لم يعد يروقني منذ شاع خبر عزم الجماعة إحضار شاحنة لجمع النفايات، لقد أضحى دائم الشرود وغير الكثير من عاداته حتى إني الأسبوع الماضي في محاولة للتسرية عنه ذكرته ببيته الشعري الذي يردده دوما وهو يحاول أن يبدو شاعرا ..قلت ابتسم فلن يعيد الأسف الصبا المترنما..فلم يبتسم ..
حين لاحظ المعطي اهتمام زبائنه بالموضوع استطرد في الحكي ..اعرفه منذ مدة طويلة اسمه الحقيقي مولاي التوهامي لكن أهل القرية رخموه معزة و تقديرا له.. عمله هو عالمه، وتوقيته لا يحيد عنه قيد أنملة، هو اول زبون يحضر الى محلي، اسفنجتان مقليتان بالبيض وكاس شاي كبير بالنعناع كل صباح، يدخن بعدها أربع إلى خمس ''شقوفا'' من الكيف الجيد الذي يحرص على قسه بنفسه ..يقول دائما لاستحمال شقاوة الأطفال وسخافات الفضوليين ينبغي إن تتناغم أوتار الدماغ ''وما ينغمها غير هاد المصيبة'' في إشارة إلى لفافة الكيف.. 
حين يرشف آخر جرعة من كاس شايه، يتلذذها بمص شاربيه، ثم يرتب ''الشواري'' على ظهر حميره في شكل مثلثين متوازيين فيخاطبها بلطف ''يالاه احبابي.. را.. تكعد الخدمة.. يافتاح يا رزاق'' . بداية الجولة من الحي الإداري او الحي الأوربي كما كان ولا زال يطلق عليه.. هو أول تجمع عمراني بالقرية يضم مقر الجماعة والقيادة ومركز الدرك وثكنة ''البرطقيز'' التي يسكنها الآن جنود متقاعدون، و في الجزء الجنوبي مساكن الموظفين و إلى يمينهم دير الرهبان الذين يرعون أيتام القرية والقرى المجاورة ويقومون بأشياء أخرى يعلمها أهل القرية ولا يبوحون بها، السي لطفي المعلم قال لجمع بمقهى ''التهامي'' و هو يتصفح جريدة الأمس التي تصل دائما متأخرة.. إن أيتام الدير يجندون لمهام أخرى قد تكون بعض الاحيان ضد بلدهم..
غالبية سكان الحي الإداري موظفون حكوميون، يعرف مولاي التوه أنهم ملتزمون بالوقت مثله، لذلك فهم يستيقظون باكرا وعليه أن يكون هناك قبل مغادرتهم إلى العمل ..باقي سكان القرية مزارعون لا يعودون من الحقول إلا عند الظهيرة أو قبلها بقليل..
حين ينتهي من الحي الإداري يطوف القرية بأكملها لا يترك بيتا أو محلا، يجمع النفايات المكومة في أركان الأزقة و الأطفال يشاغبون من حوله '' ها هو جا ها هو جا أمولاي توه أمولاي التوه ''.. و كلما حل بدرب يناد ربات بيته باسمائهم '' رقيا نموحا، العطاوية، زهور العربي، يطو عقا،حدهوم... ''خرجو زبلكوم ''. تستقبله النساء بحفاوة بل هناك منهن من تستأمنه على سر أو على مال ومنهن من تطلب منه خدمة او تشتكيه همها.. وغالبا ما يقدمن له الأطعمة و الكساء، إنهن يعرفن انه غير متزوج رغم تجاوزه الأربعين.
في الأعياد كما في المناسبات نصيب مولاي التوه محفوظ ، جزء من الغلة في مواسم القطاف و الحصاد و لحم في عيد الأضحى و جزء من الفطرة خلال كل عيد صغير...
الظهور المفاجئ لمولاي التوه قطع نشوة الحكي التي بدأها للتو عمي المعطي، ''جابوه اعمي جابوه'' قالها مولاي التهامي وهو يلهث وجبينه يتصبب عرقا..
سأله المعطي : ''شنو جابو أمولاي ؟''
''الكاميو اعمي الكاميو'' .. 
اطل معاون السفانجي وبفرح طفولي نادى مشغله .. ''خرج المعلم تشوف'' حين تدافع الزبائن لاكتشاف الوافد الجديد لم يجد المعطي بدا من مجاراتهم.. ''فورد'' حمراء تحمل علامة ''دوبل في''، يتبعها عاملان ببذلة موحدة، احدهما ينفخ من حين لآخر في مزمار يشبه قرن ثور معلق على رقبته، إيذانا بوصول موكب جمع النفايات الذي لا ينتظر أحدا.. انه مصدر الصوت المزعج الذي سيكسر سكون القرية ابتداء من اليوم.. 
لم يكن ما راج في القرية عن حلول الشاحنة مجرد شائعة، مثل شائعات كثيرة مرت دون ان يتحقق لها وجود ، الوحش الحديدي كما سماه مولاي التوه أخيرا حل بالقرية.. هكذا علق احد زبائن السفانجي..
استمر مولاي التوه في جولاته اليومية لا يبالي بمنافسه.. تعاطفت معه بعض الاسر وبعضها الاخر لم يستأنس الكائن الجديد.. عرض عليه التجار نقل البضائع، اما معلمي البناء فطلبوا منه نقل الرمل والاسمنت و الحديد قالوا ليحفزوه: إن البناء العصري يغزو القرية وسيكون لك مستقبل واعد في هذا العمل، لكنه رفض، رد عليهم : هل تريدون ان انتهي مثل علال ''الدراز'' او السرغيني ''الصبيطري'' الذين تركوا مهنتهم التي لا يعرفون غيرها فانتهوا أجراء مذلولين و مذمومين..
استمر يعاند الشاحنة ، يلحق بها أينما حلت، كانت دائما تسبقه، تخطف منه كل يوم أسرة جديدة، الى ان اتت على القرية باكملها، فالألفة وجدت طريقها نحو الشاحنة..
في يوم ربيعي شوهدت حميره تجول وحدها..تكرر المشهد أياما بعد ذلك، تساءل المعطي ''السفانجي'' و مي الغالية والتهامي ''القهوايجي'' وآخرون عما حل بمولاي التوه بحثوا عنه في القرية وأطرافها فلم يعثروا له على اثر.. تناسلت الحكايات عن هذا الغياب قال احد السكان: ان الجنية التي تسكن الوادي المجاور لمطرح النفايات تزوجته رأفة به، وأخذته الى ما وراء الوادي، في حين زعم حطابون انهم صادفوه يقتحم الغابة، سألوه عن وجهته فأجابهم انه ذاهب للبحث عن اناس لا يغيرون جلدهم وانه سيتزوج منهم و ينجب أطفالا كثيرين يعمرون الغابة..أما آخرون فقد بالغو في الإثارة حين قالوا ان مولاي التوه اخرج الكنز الذي كان يخفيه و ذهب الى المدينة ليتعلم السياقة ويشتري شاحنة يعود بها الى القرية ليطرد '' الفورد'' الحمراء التي قطعت رزقه، أما الخبر اليقين فهو أن مولاي التوه اختفى و لا يعرف احد طريقه. 
سعيد شبري