adsense

2016/11/29 - 7:47 م

 
بقلم الأستاذ حميد طولست


الشماتة لغة ، هي أن يُسر المرء ويُسعد بما يُبتلى به غيره –عدوا كان أو غيره- من المصائب والبلايا والكوارث، وهي غريزة بشرية  -إلا من رحم ربي – تشف الصدور المريضة ، وتُزيل غيظ وغم  النفوس المعيبة ، بما يُصيب عدوها من خسائر وأحزان، وهي نابع في الغالب الأعم من الكراهية والغضب والإحباط.
ومن أشكال الشماتات التي ملأت خلال الأيام القليلة الماضية وسائل الاتصال الاجتماعي في العالم العربي والإسلامي ، تلك النابعة من حجم الكراهية وحب الانتقام الهائلين الذي تختزنه الذهنية العربية تجاه الكيان الصهيوني والناتجة عن عجز العرب وعدم قدرتهم على هزمه ، وفرض إرادتهم عليه ، أو إزالته من الوجود
الشماتة التي تأججت على خلفية الحرائق التي اشتعلت مؤخرا في إسرائيل - بغض النظر عن أسبابها طبيعية أو البشرية - واعتبرتها الغالبية العظمى غضبا إلاهيا ، بسبب منع تل أبيب رفع الآذان في المساجد عبر مكبرات الصوت، مستشهدين بالآية التي تنص على  حرمانية منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، والتي يقول فيها سبحانه وتعالى : "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم "البقرة:114.

ورغم الإيمان بقدر الله وقدرته على نصرة المظلوم مصداقا لقولة سبحانه :"إن يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"، آل عمران 160 .وقوله سبحانه:"وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ  وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ  يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ  وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم"ُ ، لم يتورع الكثيرون من الشماتة وعبروا من خلالها عن فرحهم العارم ، بما  أصابت عدوهم من كارثة طبيعية ، عبر تعليقاتهم الفيسبوكية وهاشتاغاتهم على المواقع الالكترونية ، بعبارات :  " الله يحرق اسرائيل " و " الانتقام الرباني " و" نار الله الموقدة تتشعل في إسرائيل " و"خفض الآذان يحرق إسرائيل " و " عقوبة الله القادمة " و " جهنم جاءت للكفار" ، وغيرها كثير من عبارات التشفي، التي جعلت من تلك الحرائق انتقام الله للعرب من العدو الصهيوني. الانتقام الرباني الذي حتى وإن صح بالفعل ، فلا ينبغي أن يشغلنا عن  تلمس أسباب النصر الحقيقية ، وسُنن التقدم العلمية، وسُبل القوة الفعلية ، والإعداد لكل أمر عُدته ، لأن الله لا يحارب من أجل العاجزين الخرافيين المعولين على الرياح والحرائق والخوارق ، ولا يقوم مقامهم في محاربة الأعداء ،  كما حدث مع قوم موسى الذين قالوا له : قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ "24، الأمر الذي اعتبره الدكتور عبد الله النجار عضو مجمع البحوث العلمية تفسيرا خاطئا وتغييبا للعقل الإنساني حين قال : "أنه لا ينبغي أن نعتقد أن السماء تدافع عنا ونحن نيام ولا نملك من أمر أنفسنا شيئاً ولا نملك ما ندافع به عن أنفسنا ..." ، وما الفرح المبالغ فيه والراحة العارمة التي اجتاحت العالم العربي وكل من يكره دولة الاحتلال الصهوني –وهذا لا يعني أني أحبها- في أعقاب النيران التي نشبت في غابات القدس المحتلة و مدينة حيفا في شمال الكيان الصهيوني  ، ظناً منهم أن نهاية إسرائيل قد اقتربت ، وذلك لأن النصر لا يأتي بالأوهام والخرافات والاتكال على الانتقام الرباني من العدو بالكوارث الطبيعية والخوارق ، والذي يبقى نوع من الهروب من الواقع إلى الوهم ومن الحقيقة إلى السراب، ومن العلم إلى الخرافة ، والذي ستستغله إسرائيل لصالحها ، بإلباس العرب والمسلمين لباس الحقد والكراهية والعداء والتشفي في مصائب البشرية والإنسانية والبيئة والطبيعة والحيوان والشجر والحجر.
فالحقيقة المرة التي ستفاجأ الكثيرين ممن فرحوا بهذه الحرائق ، هي أنها حرائق متعمدة ، أشعلتها إسرائيل بنفسها لبناء مستوطنات جديدة في أماكن الحرائق ،  اعتمادا على سياسة " الأرض المحروقة "والتي تفرض على المتنبهين سؤالا مهما هو لماذا لم يتدخل الجيش الصهيوني من أجل إخماد الحرائق المندلعة ؟ وأنه يمتلك من المعدات والتقنيات ما يؤهله من إخماد أي نوع من الحرائق في غضون ساعات قليلة، خاصة أن الجيش الإسرائيلي الصهيوني  يقوم سنويا -مند عام 2010عقب حرائق الغابات فى "الكرمل."- بمناورات عسكرية تتضمن قوات من الحماية المدنية لمواجهة الكوارث الطبيعية بما فيها الحرائق ، أما طلب "نتنياهو" لمساعدات بعض الدول ، إنما هو فصل من فصول مسرحية أن "إسرائيل تحترق" التي أطلقتها المخابرات ، وصدقها العرب و نشروها على أوسع نطاق .