بقلم الأستاذ حميد طولست
يقول المثل الشعبي الذي حفظناه عن ظهر
قلب في طفولتنا: "إذا كنت في المغرب فلا تستغرب". لكننا اليوم، وقد
كبرنا واشتدّ عود وعينا، نجد أنفسنا في موقع المعكوس: نحن نُستغرب، نعم، من مستوى
السقوط الأخلاقي والسياسي لبعض ممن يُفترض أنهم أبناء هذا الوطن، يخدمونه ويدافعون
عن مصالحه.
ما نشهده اليوم من سلوكيات بعض
المنتسبين للسياسة والحزبية والنضال، لا يدخل إلا في باب "يأكلون الغلّة
ويسبّون الملّة". فبينما يخوض المغرب واحدة من أهم معاركه الجيوستراتيجية
دفاعًا عن وحدته الترابية، نجد حفنة من "المتسيسين" يتواطؤون - من داخل
أرض الوطن - مع أعدائه، في خيانة مكشوفة ودناءة مفضوحة وابتزاز سياسي رخيص.
كيف يمكن تفسير موقف من يزعم الوطنية،
ثم ينخرط تواطؤ مباشر، في دعم انفصاليين تُحرّكهم أجندات إيران، وحركة حماس،
و"حزب الله"؟ أليس هذا تطبيعًا مع خيانة الوطن؟ أليس هذا تواطؤًا ضمنيًا
مع من يسعون لضرب استقرار المغرب من الجنوب عبر البوليساريو، ومن الشرق عبر تغذية
التوترات؟
في الوقت الذي يُتابع فيه المغاربة
-ومعهم العالم - كيف أن أقوى دول المعمورة، من الولايات المتحدة إلى بريطانيا
وفرنسا وإسبانيا وأعضاء الاتحاد الأوروبي، تؤكّد صراحة مغربية الصحراء وتدعم مقترح
الحكم الذاتي كحل واقعي وذي مصداقية. بل إن أعضاءً في الكونغرس الأميركي من
الحزبين معًا (الجمهوري والديمقراطي) يعملون على تصنيف البوليساريو كـ تنظيم
إرهابي.
في خضم هذه الانتصارات، تتسربل الخيانة
من الداخل في عباءات حزبية أو شعارات فارغة عن حقوق الإنسان أو “التضامن”،
ليمارسها بعض الانتهازيين الذين لا يرون في الوطن إلا وسيلة لتحقيق طموحاتهم
الضيقة. هؤلاء لا يترددون في بيع ذممهم، ولا في إعطاء الانطباع بأن المغرب منقسم
داخليًا بشأن قضاياه المصيرية، وهو أخطر ما يمكن أن يحدث لوطن يخوض معركة سيادية
ضد خصومه.
الأكثر مدعاة للقلق هو ما يبدو من
تراخٍ مقلق من قبل وزارة الداخلية والنيابة العامة في التعامل مع هذه الحالات.
فبعضهم يُمنح المنابر، وآخرون يستغلّون مناصبهم داخل الجماعات أو البرلمان أو حتى
الجمعيات، لممارسة خطاب مزدوج: ولاء ظاهري وخنجر في الخاصرة الوطنية.
لسنا بحاجة إلى محاكم تفتيش، لكننا
بحاجة ماسّة إلى تطبيق القانون بصرامة ضد كل من يخل بثوابت الأمة. فالوطن لا يمكن
أن يكون ساحة مفتوحة للارتزاق السياسي والتواطؤ مع أعدائه. والتسامح مع الخيانة،
كيفما كانت مبرراتها، التي لا تُنتج إلا هشاشة سياسية وأخلاقية تضعف الجبهة
الداخلية.
لقد أثبت التاريخ أن المعارك الكبرى لا
تُربح فقط بالسلاح أو بالدبلوماسية، بل بالوضوح في من معنا ومن علينا. واليوم، فإن
أوضح المعارك التي يخوضها المغرب هي معركة الصحراء، ومن لم يكن فيها في الصف
الوطني بصدق، فهو ضده، مهما تزيّا بلباس السياسة أو لبّس كلامه بحيل التأويل.