متابعة حميد طولست
التدرع بالجهل يحوّل الفساد إلى
"سوء فهم" والخائن إلى من يفضحه.
في قاعة محكمة الاستئناف بالرباط، وتحديدًا بغرفة جرائم الأموال، انقلب المشهد القضائي إلى ما يشبه مسرحًا من العبث، حين لجأ دفاع محمد السيمو، رئيس جماعة القصر الكبير والبرلماني عن دائرة الإقليم، إلى ما يمكن وصفه بـ"استراتيجية التجهيل الممنهج"؛ إذ اعتبر أن موكله، المتهم باختلاس وتبديد المال العام، ضحيةٌ "لبساطته التعليمية" لا لممارساته التدبيرية.
السيمو، الملقب في الأوساط الإعلامية
بـ"البرلماني الملياردير"، لم يجد من حجة أقرب إلى النجاة من تهم ثقيلة
تتعلق باختلاس أموال عمومية، سوى الادعاء بأنه لم يكن يدرك أن ما وقّع عليه يُعد
اختلاسًا، مستندًا إلى محدودية مستواه الدراسي وعدم إلمامه بالمصطلحات المالية
المحاسباتية، بل حتى باللغة الفرنسية التي تُكتب بها الوثائق الإدارية. هكذا، في
مشهد درامي بلغ ذروته بانهياره باكيًا في المحكمة، بدا السيمو أقرب إلى دور الضحية
منه إلى موقع المسؤول المُساءل.
لكن خلف هذه الصورة التي حاول دفاع
السيمو ترويجها، تتخفى وقائع ثقيلة ومعطيات موثقة. فالقضية لا تقف عند حدود سوء
فهم أو أخطاء بروتوكولية، بل تمتد إلى صفقات مشبوهة، ودعم جمعيات أنشئت من طرف
مستشارين بالجماعة أو أقربائهم، وهي ممارسات تتعارض مع القوانين المنظمة للعمل
الجماعي. ومع ذلك، لم يتردد دفاع السيمو في قلب المنطق، معتبرا أن ما حصل مجرد
"ثغرات تأويلية"، وأن القانون يمنع فقط الدعم المباشر لا غير المباشر،
وهو تأويل يثير الكثير من التساؤلات حول فهم بعض ممثلي الأمة لمبدأ النزاهة.
وإذا كان من الطبيعي أن يسعى الدفاع
إلى تبرئة موكله، فإن المثير للقلق هو محاولة بعض الأصوات تسويق سردية مقلوبة،
تُشيطن من يكشف الفساد وتُكرّم من يمارسه. فكل من يتحدث عن نهب المال العام، أو
يطالب بتطبيق القانون على المنتخبين، يُتهم فورًا بخيانة الوطن ،وكأن الوطنية
أصبحت مرادفة للتستر على الفساد، والصمت هو أعلى درجات الولاء.
هذا المنطق المقلوب لا يُهدد فقط
المسار القضائي، بل يضرب في العمق صورة الدولة والمؤسسات، ويُفرغ المساءلة من
معناها. فهل يُعقل أن يصل منتخب إلى رئاسة جماعة ثم إلى قبة البرلمان، وهو لا يفقه
أبسط قواعد التسيير؟ وإن كان كذلك، فهل الجهل يُعفي من المسؤولية، أم يزيدها ثقلا؟
لقد طالب الوكيل العام بإنزال أقصى
العقوبات على محمد السيمو والمتهمين معه، مستندًا إلى وجود مؤشرات واضحة على
ارتكاب جرائم مالية. وإذا كان الحكم النهائي لم يصدر بعد – وينتظر أن يُنطق به في
جلسة 14 يوليوز – فإن القضية تطرح أسئلة عميقة حول منطق الإفلات من العقاب،
واستعمال أدوات الدفاع القضائي كوسائل لتبرير الفشل والتورط.
في بلد لا تزال فيه الثقة في المؤسسات
هشة، يصبح من واجب الرأي العام، والإعلام، والسلطة القضائية، رفض كل محاولات قلب
المفاهيم، وتأكيد أن الجهل بالقانون لا يُعفي من العقوبة، وأن الوطنية الحقة تبدأ
من احترام المال العام، لا من تبرير نهبه.
وبعد اختتام جميع مراحل المرافعة، قررت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط تحديد يوم الإثنين 14 يوليوز 2025 كموعد للنطق بالحكم في القضية التي يتابع فيها محمد السيمو، و12اخرين.