adsense

2019/07/17 - 11:56 ص

بقلم الأستاذ عبد الغني فرحتي 
 أصبح من المثير جدا في شوارعنا منظر جحافل المتسولين التي تغزو كل الأماكن: بوابات المساجد، في قلب المستشفيات، بالقرب من شبابيك الأبناك الأوتوماتيكية، بالأسواق بل وحتى بين المقابر. الكثيرون اتخذوا من التسول طريقا نحو الكسب السهل والوفير. لقد صار مهنة قائمة الذات ونشاطا " اقتصاديا " يدر الملايين. ولحسن حظ بلدنا أن الظاهرة اتسعت لتغدو ظاهرة متعددة الجنسيات. توزيع المتسولين على الأماكن لا يتم عشوائيا بل يظهر أن وراء ذلك تخطيط يحدد مجال التحرك لكل متسول.
  لا ترتبط الظاهرة بما هو اقتصادي فحسب، بل يحضر أيضا البعد " الفني  والمسرحي" من خلال اللجوء إلى أساليب تتوخي استجداء عطف الناس. هناك سيدة تدعي أنها ترملت ولم يعد هناك من يعولها. تقف بثياب الحداد  بملتقى طرق يعرف ازدحاما مستمراــ ترتدي حق الله كما يقال ــ وهي على هذا الحال لسنين متعددة دون أن تنتهي عندها مدة الحداد، مدة رزقت فيها بأطفال آخرين. ( إيلا حاولتي تفهم تسطى، كما نقول بالدارجة)، أساليب توظف العاهات أو تصطنعها، تستغل أطفالا في ظروف قاسية..... 
لم يعد المتوسل يشعر بالمهانة والعار حين يمد يده. لم يعد يكترث بكرامته الموؤودة. ( البنت الموؤودة في اللغة العربية تعني دفنها حية في القبر. وهي ممارسة كانت حاضرة زمن الجاهلية تستند إلى الاعتقاد بأن الأنثى تشكل سببا من أسباب جلب العار للعائلة والقبيلة ). 
   هكذا يصبح الشغل الشاغل للمتسول "المحترف" هو مراكمة المال وأمسى لسان حاله يقول: " أنا أتسول إذن أنا موؤؤد". لا يهمه نظرة الناس، ولا الحفاظ على كرامة اختار أن يفرط فيها، أن تغدو موؤودة تحت التراب.
 اقتربت من سيدة كثيرا ما أصادفها بإحدى مدن الشمال الساحلية الصغيرة المشهورة بجمال شطآنها ورواجها التجاري. أسلوبها في التسول يعتمد على طلب الناس مدها بالعون لتمكين طفل معها من إجراء عملية جراحية على القلب. سنون تمر والسيد ترفع نفس الطلب، والطفل ينتظر إجراء العملية ( تستعمل حق استبدال الطفل بطفل آخر عندما يشعر الأول بالتعب) ــ مرة أخرى إيلا حاولتي تفهم تسطى). اقتربت منها وقلت لها: " منذ سنوات وأنت تكررين نفس الأسطوانة. أما خجلت؟ أتملكين بقية من كرامة؟ أليس ما تقومين به مجرد نصب على الناس؟". 
  بكامل الثقة و" تخراج العينين" صاحت في وجهي: " لماذا أشعر بالخجل؟ هل أنا أسرق؟ هل وجدت يدي في جيبك؟ أما خجلت أن تظلمني؟ عار عليك، " حشومة عليك".
 والله، لا أخفيكم. لقد جعلتني أخجل من نفسي وأنا الذي كنت أتوقع العكس. استغلت ارتباكي وأضافت وعلامات الثقة بالنفس بادية على وجهها:
  ــ " نعم، أنا أتوسل، إذن أنا موؤودة. موؤودة الكرامة. نعم. لكن لا تنسى أن هناك ما يمكن أن يجعلنا مصدر فخر واعتزاز بالنسبة للبلد ". استغربت لكلامها وقبل أن أفوح بكلمة، واصلت وهي تسرع في كلامها. فهي لا تريد أن تضيع وقتها الثمين معي. فهمها دوما هو اقتناص الزبائن:
ــ " قد نضحي بالكرامة، هذا صحيح. لكن أمام الإخفاقات المتتالية للمغرب، آخرها الطريقة المذلة التي خرج بها من كأس إفريقيا، أمام ما اعتدنا عليه من احتلال للصفوف الأخيرة على جميع المستويات، بقينا، نحن معشر المتسولين "المحترفين" من حفظ للبلاد مكانا تتبوأ فيه الصدارة، وهذا من مصادر فخرنا، التسول. نعم التسول. المغرب، بحسب إحصائيات دولية أخيرة، صار يحتل المرتبة الأولى عربيا، من حيث عدد المتسولين. الا نستحق بذلك الشكر والتكريم و.....
  في الحقيقة شعرت بالضعف أمامها، تركتها قبل أن تكمل كلامها. ربما خفت أن تقنعني بما تقول، فأترك وظيفتي وألتحق بها لأصبح زميلا لها في " المهنة". الحفيظ الله.