adsense

2019/07/25 - 12:11 م


بقلم عبد الحي الرايس
المساندون للقانون الإطار دأبوا على التقصي وتقديم جَرْدٍ لأبناء المعترضين عليه، وهم مُسَجلون بمدارس البعثة والمعاهد الفرنسية، ليتخذوها حُجَّة على أن هؤلاء يُريدون لأبنائهم ما لا يريدونه لأبناء شعبهم.
وآخرون لا يفتُرون عن النيل من العربية بالعربية التي بها يُحاضرون ويُنظرون إلى حدِّ القول بأن الفرنسية إذا كانت فاشلة في تلقين العلوم فالعربية أفْشل.
وسواءٌ أتعلق الأمر بهؤلاء أم بأولئك، فقد جانبوا منطقَ العقل والعصر، وسقطوا وأسْقطوا في رؤى ضيقة، وأحكام مزاجية مجانية.
حدثني سائق ـ ذو دخْلٍ محدود ـ عن اضطراره إلى إلحاق ابنته بمدرسة خصوصية، إنقاذاً لها من الإهمال وسوء المعاملة في العمومية مؤثراً إياها بنصيب من دخْله على حساب راحته وقُوتِه.
ومَنْ من الآباء لا يؤرِّقه أمْرُ اختيار المؤسسة التي يُلحقُ بها أبناءه ليؤمِّن لهم حُسْن الرعاية والتكوين، رغم أنه يناضل دوماً ويسعى إلى أن يحقق لبلده أفضل تكوين وأحسن تعليم.
إصلاح التعليم يُفترضُ أن يكون اختيارَ أمَّة وقرارَ شْعبٍ بمنْأى عن مُغالَبةِ آراء، وتَدافُع أحزاب، وقرار وزير.
وأزمة التعليم في بلادنا إنما نَجمَتْ عن قرار فوْقي للقطع بين تعريب مرحلتيْ الابتدائي والثانوي واستمرار فرْنَسَة التعليم العالي لا عن عجز من العربية كما يزعم الزاعمون، ولا عن عزوف عن ذلك من المؤطرين كما يؤكد الأساتذة الباحثون، فقد أقاموا الدليل بتجربتهم على أن نفس المادة العلمية حين تُقدَّمُ بالعربية أو يسأل فيها يكون الفهم أسرع، والإجابة أيْسر.
ثم ما لبث أن انضاف إلى ذلك قرارٌ أعمُّ وأشمل حين تم التصريح برفع الدولة يدها عن التعليم.
وَاهِمٌ من يظن أن فرْنَسة المواد العلمية في المدرسة المغربية سيُصلح التعليم، ويُنقذ الأجيال من الضياع، فمن سيُسند إليهم ذلك لا يُجيدون التواصل بالفرنسية، فما بالك باتخاذها أداة لتدريس العلوم.
والعربية أثبتتْ في ماضيها أنها كانت لغة العلم والفكر والابتكار، وما زالت كذلك ـ برصيدها وخاصياتها ـ عند من اعتمدوها ووضعوا ثقتهم فيها، والأمر لا يخصها وحدها، وإنما هو شأن كل أمة آثرت تأكيد سيادتها، وتحقيق هُويتها، واعتمادَ لغتها، حتى ولو كانت صغيرة محدودة الإمكانات والعدد.
ولن يستقيم الأمر ـ بعد طول تأرجح وانتظار ـ إلا بإصلاح فعلي وشامل يُعنى بتأهيل المدرسة العمومية، وضمان وحدتها ومجانية التعليم فيها، يعتمد اللغة الوطنية المعيارية أوَّلا، واللغة العالمية السائدة في المرحلة وهي الإنجليزية، ويُبقي على الفرنسية لغة ثالثة بحكم العلاقات والارتباطات، ويسهر على تأهيل الأطر وتوظيفهم، وبعث الثقة في نفوسهم، واستمرارية تكوينهم.
وما سوى ذلك لن يَعْدُوَ أن يكون مُجرَّدَ ترقيع، وعَوْدٍ على بدْء ٍلا يرقى إلى مستوى الطفرة والتغيير والتصحيح.
وأكيد بعد سنوات من التيه والتجريب ستكون العودة إلى طرح الإشكال من جديد، ولكن بعد ضياع أجيال، وتفويتِ فُرَصِ تدارك التموْقع أسفل سُلَّم التنمية، وتصحيح المسار.
فشيئاً من التروِّي وتبصُّر مواقع الْخَطْو، فالمسؤولية جسيمة، وتبِعاتُ التجديف ضد تيار الأمة واختياراتها كبيرة وخطيرة.