adsense

2021/03/18 - 11:13 ص

 مقال لصحفي انفصالي من البوليساريو يستحق القراءة

و بينما يشتد الطوق على أعناقنا و تضيق حولنا المساحات السياسية و الدبلوماسية و حتى العسكرية، يأبى القدر إلا أن يزيد حزن رب البيت الأصفر و يختار سيدة الصمود “تكبر منت عبد الجليل” والدة الأخ القائد “إبراهيم غالي” التي تخطفتها المنية، و لا يسعنا أمام هذا الحدث الذي يراه الجميع سنة الله في خلقه، و نراه نحن رزية يصعب نعيها، غير الدعاء لها بالرحمة و الغفران و جنة الرضوان، لأنها كانت أمنا جميعا، و كم أخشى على الأخ “إبراهيم غالي” أن يجافيه التوفيق أكثر و تشتد عليه الكروب، بعد رحيل مظلة الرحمة التي كانت تدعو له بظهر الغيب، و أن  لا يظلم معه الشعب الصحراوي و قضيته، لأن الأيام التي نعيشها لا تبشر بأن ثمة انبلاج لهمومنا جميعا

فقد نشرت وزارة الدفاع الأمريكية على حساباتها صورا جوية و أخرى بحرية لمناورات ضخمة، جعلت لها من الألقاب “مصافحة البرق”… هذه المناورات تشارك فيها الولايات المتحدة الأمريكية بحاملة الطائرات “إيزنهاور” النووية الدفع، و بأسطول جوي يفوق الـ50 طائرة بينهم مقاتلات من طراز F18، و طائرات التجسس و الربط و الاستطلاع و الحرب الإلكترونية  AWACS، و مدمرة و عدد من الزوارق الحربية، فيما شارك الجيش  المغربي بفرقاطة كبيرة من نوع F613 و التي تحمل اسم “طارق بن زياد”، إلى جانب أسراب من طائرات F16-BLOK52 و مقاتلات من طراز F5-E المعدلة حديثا.

هذا التمرين الضخم جرى خلال أسبوع كامل بين الجيشين في مياه الصحراء، على بعد عقد بحرية قليلة من جزر الكناري، بالجزء الذي جرى ترسيمه مؤخرا من طرف الرباط، و نتذكر جميعا كيف أثار الأمر غضب مدريد و الجزائر و البيت الأصفر…، و لم يتمكن أحد من إرغام الرباط على توقيف إجراءات عملية الترسيم من طرف واحد، و فرضت الرباط على الجميع الأمر الواقع،  و قامت بتحفيظ  الصحراء بترابها و مياهها و أجوائها.

و إلى هذه الحدود الأمر يبدو تقليديا و نصنفه جميعا في إطار مناورات الرباط  للسيطرة على ملف الصحراء، و  مواصلة التغلغل داخل العمق الإفريقي، مستغلة  في ذلك حالة الوهن الاقتصادي و السياسي  للحليف الجزائري ..، لكن عند الدخول في تفاصيل تلك المناورات و الطريقة التي تمت بها، و أيضا تزامن الأمر مع إعلان الأمم المتحدة بصريح العبارة تخليها عن الصراع و إدخالها للقضية الصحراوية للرفوف المنسية، و استحالة العثور على مبعوث أممي، و بدأ حرب الأعصاب بين مدريد و الرباط بعد أن هاجم 150 مهاجرا من دول جنوب الصحراء سياج مدينة مليلية، و اجتاز منهم 52 إلى داخل المدينة… كل هذا يجعلنا نعيد تركيب المبهم من هذه المناورات و البحث عن معلومات أعمق و أدق لتشكيل صورة الوضع السياسي و الإستراتيجي بالمنطقة، و تحديد ما يقع بالضبط، و الذي يخصنا و يعنيا من قريب و من بعيد.

و بعد تجميعنا للمعطيات حول المناورات العسكرية تبين أن الرباط و واشنطن لم يبلغا إسبانيا بإجراء ذلك التمرين و استخدامهما للذخيرة الحيّة حيث فاجئها الأمر، و الدليل ارتباك حركة الملاحة الجوية في سماء جزر الكناري و اضطرار الأبراج الجوية لتحويل خطوط الرحلات و إلغاء بعضها، و اعتبار الإعلام الإسباني للأمر رسالة واضحة من المغرب و وأمريكا إلى مدريد، بأن التحالف بينهما يتجاوز العلاقات الإسبانية الأمريكية، و أن الولايات المتحدة- اليوم- لديها مصالح لا تتعلق بالتطبيع المغربي الإسرائيلي، بل بمنافع أكبر و أعظم.

و رغم ضعف المصادر و شحها، إلا أننا توصلنا من المصادر المتاحة، إلى توضيح يخص الإعلان الذي تم بين الرباط و الولايات المتحدة الأمريكية حول الشراكة العسكرية التي جرى التوقيع عليها و إعلانها خلال أكتوبر من السنة الماضية، بأنها لا تتعلق بصفقات تسليح فقط و نقل للتكنولوجيا، بل الأمر مرتبط بخطة دفاع مشتركة بين الرباط و واشنطن تلتزم خلال أمريكا بحماية مصالح الرباط ضد أي تحالف دولي أو قوة في إشارة إلى دول الإتحاد الأوروبي، و هو ما توضح لنا من خلال صمت مدريد على المناورات و اكتفاء الإعلام بالتهكم على حكومة “بيدرو سانشيز.

مع هذه المعطيات التي كشفتها المناورات يتضح أن الإعلان الأمريكي  بخصوص الصحراء لا علاقة له بالتطبيع بين المغرب و إسرائيل، بل يتعلق بما كتبت حوله الصحافة الإسبانية و سمته الصراع العظيم حول معادن جبل “تروبيك” البركاني الذي يقبع في الخسف القاري للمياه التي جرى ترسيمها من طرف دولة المغرب، و الذي يندرج ضمنه أيضا انزواء مواقف برلين في الركن الذي أغضب الرباط، حيث يرى الخبراء أن ألمانيا ترى في استغلال أمريكا للجبل تهديدا لمستقبل الصناعات الميكانيكية، و يتيح لواشنطن تعويض المعادن التي فقدتها بسبب معاركها  الاقتصادية مع الصين .

للتوضيح أكثر، فإن الصين و إفريقيا هما الموطن الوحيد لتلك المعادن النادرة التي تدخل ضمن الصناعات العالية الدقة، مثل الكوبالت، والتيلوريوم، والباريوم، والنيكل، والفاناديوم، والليثيوم…، و الصين بعد أن فرضت عليها واشنطن قيودا للدخول إلى السوق الأمريكية، بدورها منعت تصدير تلك المعادن لأمريكا، و وجود جبل “التروبيك” هو طوق نجاة للصناعات الأمريكية المستقبلية، و أمريكا ستعمل كل شيء للحصول على ما يكفي صناعاتها منه، أي أنها لن تعير إسبانيا أي اهتمام من أجل مصلحتها الصناعية، و ألمانيا ترى في الصناعات المستقبلية بما فيها السيارات الكهربائية حربا على صناعاتها الميكانيكية التقليدية، و ترى خراب شركات  Volkswagen و Mercedes-Benz و AUDI و BMW وشيكا، لهذا هي تدعم عدم حصول واشنطن و أي قوة صناعية عالمية على تلك المعادن و بقاء المنطقة أرض نزاع، في انتظار التحاقها بركب تلك الصناعة و عثورها على مناجم تلبي طلبها و تتيح لها التحول إلى صناعة السيارات الكهربائية بكل أريحية.

و لإظهار إصرار الرباط على إذلال إسبانيا، فقد شارك جيش المغرب في تلك المناورات بفرقاطة تحمل اسم “طارق بن زياد” ، في إشارة إلى أمرين؛ أن المغرب استعاد قوته التاريخية في المنطقة، و أنه يستخدم فرقاطة تحمل الاسم الذي يزعج الأسبان و يعتبرونه كابوسا تاريخيا، و يذكرهم أيضا دعمه المبطن للتاج البريطاني في قضية جبل طارق الذي يعتبر شوكة في قدم مدريد، كما شاركت في المناورات طائرات الـF-5E  التي اخترقت الأجواء الإسبانية خلال شهر غشت من سنة 2020، و كشفت الدفاعات الأرضية لمدريد.

هذه المعطيات و ارتباطها بالمناورات الضخمة للولايات المتحدة الأمريكية، تجعلنا نتأكد من أمرين؛ أولهما أن الإعلان الأمريكي ليس مجرد تغريدة للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، “ترامب”، بل هو توجه إستراتيجي أمريكي، و ثانيهما أن القضية الصحراوية أصبحت قضية مصالح بين العمالقة الكبار، و أن الرباط – كما قال سفير الدومنيكان خلال تقديم أوراق اعتماده في الرباط -:”أنه فخور بتمثيل بلده في المغرب الذي أصبح من الدول العظيمة و القوية بالبحر الأبيض المتوسط”، و في هذا إشارة إلى أن العالم يتغير في العمق الإستراتيجي و أن المغرب هو فعلا ضمن نادي القوى الخمسين الصاعدة حسب التقارير السرية للبنك الدولي.

 Euromagreb