adsense

2021/03/26 - 10:50 م

بقلم الأستاذ حميد طولست

دفع بي هول كم التشفي والشماتة التي تفشت بهستيرية غريبة على مواقع التواصل الاجتماعي فور إعلان نبأ وفاة الدكتورة نوال السعداوي" رحمة الله عليها"  الى البحث في "جوجل "عن موقف النساء العربيات عامة ، والمغربية على وجه الخصزص ، مما تعرضت له هذه السيدة-في موتها- من شماتة وشتم ولعن وتكفير بسبب مواقفها التنويرية ، من طرف من كانت أكبر وأعظم وأطهر وأشرف من ملايين منهم. 

وكم كانت صدمتي مفجعة بعد وقوفي على ما حملته شبكاته "جوجل" من معلومات ضافية حول رد الفعل التفاعليّ الذي قابلت به المرأة هجمة الشماتة النكراء التي تعرضت لها من كانت بحق صوتا نسائيا يصدح بقوة وشجاعة دفاعا عن كرامة بنات جنسها.

الموقف الذي كان بحق محزنا بكل المقاييس بعد أن لذن فيه بالصمت الجبان - الأكثر وقعا وأشد إيلاما من الشماتة والتشفي نفسها - الأقرب لمسايرة التواطؤ مع الشامتين ، والذي لا يسع العاقل ، إلا أن يأسى له ويتألم عليه ، ويلاقيه بالشجب والتنديد والدم واجتراح الأسئلة الحرجة والمحرجة مثل: أيجوز للمرأة، من وجهة نظر أخلاقية، أن تلوذ بالصمت عما جرى لمن دفعت في حياتها ثمن شجاعة دفاعها عن حرية المرأة ، وتتلقى الشتم واللعنات بعد مماتها.

ربما يقول قائل: وما عسى المرأة الضعيفة التي لا تمتلك من أسباب القوة ما تغير به الوقائع أن تفعل وسط صراع الضواري الذي تنسحق تحت أقدامهم ؟  السؤال الذي ترد عليه المقولة الشهيرة : "ليس على المرء أن يرد الجميل، ولكن عليه أن يكون أرقى من أن ينكره".

ومع كل هذا وذاك ، فلاعجب ولا غرابة ولا أنزعاج من وزهد المرأة المتخادل في رد المعروف لمن اسدته لها باريحية ادخلتها السجون والمعتقلات ، فليس ذلك عليها بجديد ، وهي التي اعتادت أن تلوذ بالصمت حتى حيال قضاياها المصيرية ، لكي لا تتهم بالخروج عن الجادة المستقيمة المرسومة لها من طرف جلاديها، فهي كما عهدناها لم تتغيرن ولن تتبدلن ، لأن الشيئ من معدنه لا يستغرب!"كما يقال.

فما اتخذته النساء من صمت إزاء هجمة الشامتة النكراء التي نفذتها مجموعات عريضة من الإسلاميين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لموقف غريب لا يحميها من السقوط في مطبات انتقام الظلاميين والمتعصبين الجَهَلة، بقدر ما يجعل الكثير من أهل الشهامة والنبل والإنسانية ، المدافعين عن حقوق الإنسان والمساواة والديموقراطية أمثال نوال التي لن تتكرر، يعزفون عن تقديم المعروف ، الذي كان في ما مضى صاحبه إذا وقع يجد الجميع واقفا معه ، والذي أصبح اليوم إذا وقع فاعل المعروف ، فإن أول من يقفون ضدّه هم من أحسن إليهم ، كما فعلت المرأة العربية مع أخت لها فاض تأثيرها عن وطنها الأم لينتشر في العالم العربي، وأبعَد .

وحتى لو افترضنا جدلا أن هذه الكاتبة المناضلة النسوية المصرية، هي الشيطان بذاته ، في نظر من خربت نفوسهم، وإهترأت ضمائرهم، وإنعدمت إنسانيتهم، وإفتقرت أفئدتهم إلي الرحمة ، وجهلوا بأبسط تعاليم الإسلام  الحنيف ، فمنطق إنصاف الجهود ، وإحقاق الحقوق ، وتقدير الإنجازات ، والفخر بالمجهودات المقدمة بصدق وتجرد لمصلحة الإنسانية، اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا أو ثقافيا، يفرض أن تكون السعداوي قديسة في نظر اللواتي قضت تسعين عاما وهي تناضل من أجلهن، وتدافع عن كرامتهن ، وتناهض التسلط الذكوري الاستبدادي الطبقي المعادي لحريتهن.

ولا شك أن نكران المرأة للجميل  لا يقل عن جحود الأبناء لجميل فضل الوالدين بدليل قولة شكسبير : "يرضع الطفل من امه حتى يشبع، ويقرأ على ضوء عينيها حتى يتعلم القراءة والكتابة ، ويأخذ من نقودها ليشتري اي شيء يحتاجه، ويسبب لها القلق والخوف حتى يتخرج من الجامعة، وعندما يصبح رجلاً، يضع ساقاً فوق ساق في أحد مقاهي المثقفين ويعقد مؤتمراً صحفياً يقول فيه : إن المرأة بنصف عقل !! تباً لسطحية سكنت عقول البشر".

واختام بقول فيودور دوستويفسكي " أحيانا لا يريد الناس سماع الحقيقة لأنهم لا يريدوا رؤية أوهامهم تتحطم".