adsense

2017/05/23 - 12:35 ص



بقلم الدكتور أنس لحلو
متصرف، وكيل تنمية إقليمي مختص في التخطيط الاستراتيجي التشاركي



بعيدا عن أية مقاربة سياسية تتوخى فهم واستيعاب مضامين البرنامج الحكومي 2016-2021، الذي قدمه رئيس الحكومة المغربية أمام مجلسي البرلمان بتاريخ 19 أبريل 2017؛ هذه الوثيقة الدستورية – البرنامج -، التي سوف ترهن مستقبل المغرب على المدى المتوسط لمدة خمس سنوات، إذا ما استحضرنا مدة الولاية الانتدابية لحكومة الدكتور العثماني، وعلى المدى البعيد لمدة قد تصل إلى أزيد من عشر سنوات باعتماد المخططات القطاعية الواردة فيها؛
وتجاوزا للقراءات السائدة لمخرجات هذه الوثيقة التي تنبني على  مدى التفاعل مابين السياسي -الحزبي- والسياسي -التقنقراط- داخل التشكيلة الحكومية، والتي تستحضر كذلك الميكانزمات الرئيسية للدولة المغربية والمرتبطة أساسا؛ بعلاقة المخزن بالأحزاب السياسية، وعلاقة الحكم الواضع الفعلي للاستراتيجيات السياسات العمومية، بالسلطة التنفيذية الواضع الدستوري لهذه السياسات؛ وعلاقة كل ذلك بإملاآت المؤسسات المالية الدولية. دون إغفال الدور الطلائعي للوبي  المالي المغربي في تحديد الأهداف المعلنة والغير معلنة لوثيقة البرنامج الحكومي؛
ودون الوقوف على أهلية وكفاءة البروفايلات الحكومية التي ساهمت في إنتاج هذه الوثيقة والتي من المفترض فيها أن تكون مختصة في إعداد هذا النوع من الوثائق، والتالي من المتوقع أن تعمل على تضمين البرنامج الحكومي أفكارا جديدة، خلاقة وعبقرية تمكننا من مواجهة التحديات ورفع الرهانات التنموية المغربية.
 بعيدا عن كل هذا وذاك؛ سوف أتناول وثيقة البرنامج الحكومي 2016-2021 ؛ بالتحليل والدراسة من زاوية المتصرف المختص في التخيطط الاستراتيجي التشاركي، باعتماد مقاربة علمية أطبق من خلالها منهجية وأدوات التخطيط الاستراتيجي التي من المفترض - بل ومن اللازم- أن توظف في إنتاج  وثيقة ذات بعد استراتيجي تنموي.
ولعل تطبيق هذه المنهجية يجد سنده الدستوري؛ في أحكام الفصل الأول من الدستور المغربي  المتعلقة بالتشارك، مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وكذا أحكام الفصل  88 منه التي حددت عناصر البرنامج الحكومي في الخطوط العريضة الرئيسية في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية، الاجتماعية،البيئية، الثقافية والخارجية. إضافة إلى ذلك، كون الحكومة المغربية تختص بوضع السياسات العمومية، وحيث أن هذه الأخيرة؛ فعل سياسي تخطيطي استشرافي بامتياز. يحق لنا الآن أن نطرح السؤال المحوري التالي :
هل وثيقة البرنامج الحكومي تحمل خصائص البرنامج المتعارف عليها علميا لدى المختصين في مجال التخطيط الاستراتيجي؟
وللتذكير فقط، فمن أجل إنتاج "برنامج تنموي ما" لا بد المرور عبر المراحل التالية :
1.      الانطلاقة؛
2.      التشخيص؛
3.      تحديد الرؤية والمحاور الاستراتيجية؛
4.      البرمجة والميزنة.
وذلك بالإجابة على الأسئلة الكلاسيكية التالية : من نحن؟ ماذا نريد؟ وبأية وسائل؟
إن مرحلة الانطلاقة باعتبارها تنظيم للعمل وتجميع للوثائق والمعطيات وتهيئ للتشارك، واستحضار لذوي الخبرة؛ تم القفز عليها من طرف المكونات الحكومية، بدليل :
         المدة القصيرة التي خصصت للإعداد للبرنامج الحكومي والتي استغرقت 15 يوما؛ ما بين 04 أبريل 2017 تاريخ تعيين الحكومة من طرف الملك و 19 أبريل 2017 تاريخ تقديمها للبرنامج أمام مجلسي البرلمان؛
          مرتكز التشارك الوارد في تصدير الدستور المغربي تم إعماله بشكل تفضيلي وإقصائي؛
         الوثيقة لا تحيلنا على استشارة المختصين وهيئات الحكامة الوطنية المختصة في الجانب التنموي؛
         البرنامج الحكومي لا يتضمن الوثائق المرجعية التي ساهمت في  إعداده.
وبذلك فإن السرعة القياسية في الإعداد لهذه الوثيقة؛ تحيلنا على الارتجالية والتسرع و إعمال المقاربة السياسية على حساب المقاربة التنموية بشكلها الشمولي؛ وكل هذا يؤكد بأن مرحلة الانطلاقة لإعداد هذه الوثيقة لم تؤخذ بعين الاعتبار.
أين هو التشخيص؟ أين هي مؤشراته؟
من المفترض أن تتضمن وثيقة البرنامج الحكومي تشخيصا قطاعيا يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الجغرافية، السوسيوديمغرافية، الاقتصادية، الثقافية، المعمارية، البيئية والمؤسساتية، مع استحضار العوامل الخارجية المؤثرة في هذه الأبعاد. بعد ذلك فإن التحليلات التقاطعية - analyses croisées - تمكننا من المرور من التحليل القطاعي إلى التحليل الأفقي للمشاكل المطروحة.
  أين هي مكامن القوة والضعف الداخلية؟ أين هي التحديات والفرص الخارجية المطروحة على الدولة المغربية؟  أين هي الرهانات المطروحة على الدولة المغربية؟ باعتبارها مخرجات لهذا التشخيص.
كما أن هذا التشخيص عليه أن يكون معززا بمؤشرات تتعلق ( بنسبة المديونية الخارجية والداخلية، نسبة عجز الميزان التجاري، نسبة التضخم، نسبة الفقر والهشاشة وتوزيعهما مجاليا، التوزيع المجالي للخدمات الأساسية، التوزيع المجالي للثروة، المؤشر الوطني للتنمية البشرية، ...)، علما أن لنا مؤسسات للحكامة الوطنية تعتبر مرجعا في هذا الباب وعلى سبيل المثال لا الحصر (المندوبية السامية للتخطيط، المجلس الأعلى للحسابات، بنك المغرب، المرصد الوطني للتنمية البشرية، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ...)، ناهيك عن التقارير الدولية الصادرة في هذا المجال.
كل هذا، لا وجود له داخل وثيقة ترهن مستقبل المغاربة لمدة ولاية حكومية كاملة، كما أن هذا التغاضي عن الاطلاع على هذه الحقائق يجعل رئيس الحكومة كمن يقود سيارة بدون مرآة عاكسة، وبالتالي قد يفاجؤ في المستقبل القريب بانبعاث ملفات فاسدة على السطح كما وقع في عملية إفساد صناديق التقاعد.
وبذلك تغاضت الحكومة المغربية عن مواجهة السؤال المحوري : من نحن؟
أين هي الرؤية التنموية داخل البرنامج الحكومي؟
إن الرؤية التنموية منارة يستدل بها لبلوغ الأهداف الاستراتيجية المحددة، وهي كذلك المحدد للتوجهات الاستراتيجية الكبرى للدولة المغربية وبذلك فالسؤال الكلاسيكي ماذا يريد المغاربة؟ جوابه منقوص داخل وثيقة البرنامج.
كما أنه لا وجود لتحقيق التكامل والانسجام بين البرامج القطاعية، الشيء الذي يعيق إنجاز عملية التخطيط التنموي بناء على إطار مرجعي عام؛
وبالانتقال إلى المحاور الاستراتيجية الخمسة الواردة في البرنامج الحكومي نسجل الملاحظات العامة التالية :
عدى المحورين الثالث والرابع المتعلقين على التوالي "بتطوير النموذج الاقتصادي والنهوض بالتشغيل والتنمية المستدامة" وكذا "تعزيز التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي والمجالي"، واللذان ارتبطت الأهداف الواردة فيهما، ببعض مؤشرات الإنجاز التي بقيت رهينة الرؤية القطاعية للمحور.    فإن االمحاور الثلاثة المتبقية جاءت فقيرة من حيث مؤشرات الإنجاز، إضافة إلى أن عملية البرمجة تقتضي وضع جدولة زمية محددة ( على مدى خمسة سنوات)، وأجرأة واضحة الشيء الذي افتقدته هذه الوثيقة، ناهيك عن عملية الميزنة التي تغاضت عن ذكرها هذه الأخيرة، بمعنى ما هي مصادر التمويل التي يقترحها رئيس الحكومة المغربية لإنجاز الأنشطة المرتبطة بالأهداف المسطرة في برنامجه؟ وهذا يحيلنا على سؤال محوري عن تحليل دقيق للإمكانات التمويلية الحقيقية للدولة المغربية؟
أما آليات التتبع والتقييم لتنزيل أهداف هذه الوثيقة باعتبارها شرط أساس  لبلوغ حكامة جيدة، فلا وجود لها من زاوية التقائية وانسجام البرامج القطاعية القائمة والمرتقبة.   
وبناء على هذا التحليل العلمي لوثيقة البرنامج الحكومي 2016-2021، يمكن أن نجزم بأنها ليست ببرنامج ولكنها - شيء آخر- . وخلاصة لهذا المبحث الأول أدعو الفقهاء الدستوريين والمشرعين إلى الاجتهاد في هذا الباب لإنتاج نص تنظيمي يحدد المراحل والأدوات التدبيرية الأساسية الواجب تضمينها في البرنامج الحكومي، ولما لا تضمين ذلك في تعديل مستقبلي لأحكام الدستور المغربي.
كما أنه طبقا لمرتكز الديمقراطية المنصوص عليه في تصدير الدستور المغربي، إذا أوجب المشرع على الجماعات الترابية، إعداد برامجها التنموية بناء على نصوص تنظيمية صادرة في الجريدة الرسمية، كيف له ألا يقوم بالمثل بالنسبة للسلطة التنفيذية؟.
 ترقبوا لاحقا المبحث الثاني : عن الاختيارات السياسية الواردة في البرنامج الحكومي والمتعلقة بالشغيلة المغربية عامة والوظيفة العمومية خاصة؟