adsense

2017/05/20 - 12:07 ص

بقلم الأستاذ حميد طولست


ليست هذه المرة الأولى التي أصاب فيها بعسر الكتابة ، وأتوقف ، لأيام وربما لأسابيع ، أمام المواضيع والأحداث الدسمة المثيرة ، مغلول اليد ، لا أسود بياضا ، معقوف القلم لا أنقش رسما ، معقود الحرف لا أخط حرفاً ، مشلول التفكير لا استطيع التسلل لمخابئ الحرف المتراكمة في ذهني ، ولا أقوى ، لا أقهرا ولا طواعية،  استدارج ما يعج بخاطري من أفكار وتعابير ، لترميزها على شكل  كلمات مكتوبة ، وكأن تلك الحروف ، التي كانت إلى حين منسكبة بغزارة ، قد تكلست بدواخلي وتحجر جويانها ، أو أن الحبر الذي كان منسابا سيله ، قد جف وتيبست مساراته ، وضن علي البوح ، وتعصلج معي التعبير ، البسيط منه والمعقد ، بالرغم من توافر مكونات الإبداع ، وظروف التفكير والتصور والتعبير، و استفزاز شهوة الكتابة ، شبقية التحدي والحماس العارمة ، وبالرغم من توفر والمحرضات الذاتية و المحفزات الموضوعية واستفزازيتها ، من رفاهية الأجواء ، وصفاء اللحظة الإبداعية ، وجمالية الأمكنة ، وتوافر الأقلام والحواسب ، وكل ما لا يبقي ولا يدر الورق على بياضه ،  وبالرغم من اتساع دوائر ومجالات التأمل والتفكير ، فقد اعتراني هذه الأيام ضعف في الإنتاج ، والدي يمكن أن نسميه تجاوزا "عسر الكتابة" على غرار عسر الهضم الذي يصيب البَطين المَبْطُون ، فأرعبني الأمر، وارتعشت له جوانحي ، وخشيت أن تكون تلك بداية النهاية ، وإني انزلقت في دوامة الملل والتكرار والرتابة ، أخطر أعداء فعل الكتابة ، وأكثر ما يرعب هواتها و جميع من يهيم بها، وان موهبة رصف الكلام ستهجرني ، ولا أعود  لتسطير المنثور منه والمنظوم ، ولا أتمكن من تنسيق الحرف والوصف بسلاسة وجمال وبموضوعية واثقان.
فهل يا تري سيستمر معي هذا الذي اعتراني، وأتوقف نهائيا عن التواصل والاتصال بالآخرين، بالكتابة  التي قبل أن تكون أي فعل ، فهي وسيلة ووسيط يوظّف لنقل الرؤيا والأفكار والمشاعر للمحيط الاجتماعي الذي نتفاعل معه ؟؟
لا وألف لا ، إنها حالة عابرة و"بلوكاج " خفيف - ليس كـ"بلوكاج" تشكيل الحكومة -سيزول بزوال أسبابه النفسية الظرفية ، كما توزول أوجاع البطنة بزوال مسبباتها ، فما يدريني فلعل الفرج يأتي بعد حين ، وأعود لهوايتي التي وجدت فيها نفسي التي قضيت العمر أبحث عنها ، فهجرت من أجلها كل شيء ، حتى لذة النوم ، وكل أملي معقود على من أقسم بـ" ن والقلم وما يسطرون" ، وبالمناسبة لقد ذكرني القلم بإحدى عادات المرحوم والدي ، والتي ما كنت أعرف الحكمة منها ، وهي تعوده ،رحمة الله عليه ، وضع القلم على أذنه اليمنى ، وتحسسه لها من حين لآخر ، بنشوة وسرور ، للتأكد مما إذا كان القلم باق في موضعه ، ربما لإهتمام "ناس زمان بالقلم وقدسيته ، أو لسهولة الوصول إليه عند اللزوم ، أو لتجنب إضاعة الوقت في البحث عنه في الجيوب عند الحاجة إليه ، وبفس المناسبة أحالتني عادة المرحوم والدي إلى عادة أخرى ، وهي تباهي المتعلمين وعلى الأخص المعلمين من بينهم ، بوضع عدد من الأقلام في الجيب الخارجي لستراتهم .
وفي الختام أتعتذر لقرائي الأجلاء إن أخلفت وعدا أو تخلفت عن موعدا  ، وتحيتي ومحبتي واحترامي لكل من يقرأ مكتباتي  رافضا أو مؤيدا.