adsense

2021/07/04 - 1:52 م

بقلم الكاتبة الروائية حسناء وهبي

أول ما فتحت عيني ، وجدت نفسي في أحضان جدتي في كوخ مهترئ ، وظلام دامس.

مرت أيام و سألتها مستفسرا عن حال أمي وأبي ؟! ، فقالت أنهما افترقا منذ أن كان في عمرك ستة أشهر ، يا لقساوة  الزمن ، في هذه الفترة كان ملاذي حضن أمي ، فهو الحصن الحصين ، وكانت لقمة عيشي ثدي أمي ، لكنه جف حليبه ، آه نسيت ، لم يجف بعد ، لكن المحكمة الملعونة جففته ، صرخت بالعويل ، فلبت أمي  نداء عويلي ببكاء أدمى  قلبي ، فلم أكن حينها محضوضا كباقي لداتي الرضع ، ولم  أكفكف دمعي في حضن أمي.

وسألت جدتي عن أبي فقالت:

- والدك أحمد ذهب إلى البيضاء

- ذهب إلى البيضاء ؟ كيف ؟ ولماذا ؟ ومنذ متى ؟

أسئلة كثيرة حملها على عاتقه المسكين نوفل ولم ينضج منها بعد .

- ذهب لأجل إحضار لقمة العيش ياولدي.

كانت هاته العبارة التي أجابت بها الجدة مِّي خدوج حفيدها الصبي نوفل مرة كطعم العلقم ، لأنه هو من يدرك قيمة لقمة العيش ، لأنه افتقدها وهو في إنعاشه .

وبعدما علمت أن أبي اسمه أحمد ، مازلت شغوفا في معرفة أمي واسمها ، فأخبرتني جدتي أن إسم أمي هو عايدة ،  أعجبني الإسم كثيرا وأغرمت به وبقيت أردده وأدندن به عايدة .. عايدة..عايدة عااااااااااااااايدة..،كم هو جميل اسمك يا أمي ، و لا ريب في ذلك أنك أجمل منه ،لكن جمالك ليس كجمال صبرك ، لماذا لم تصبري لأجلي يا أمي ؟ لماذا لم تفترشي سجادتك وتشتكين قهرك لربك ، لماذا اشتكيت به للقاضي ؟ ترى هل السيد الحكم الذي يشرف عن جلسة الصلح لم يأبه بي ؟ ولماذا كاتب الضبط لم يحذف حكم القاضي؟ ولماذا المحامي التزم بكتابة مذكرتي التعقيب والجواب ؟ ألا يعلم أنني رضيع في حاجة لدفئ والدي معا؟   ، خلته  ضرب بأسباب الطلاق عرض الحائط ، لكن الحائط كان قاسي لأنه أنا من ضرب بي عنده.

بقي الطفل نوفل يتحدث إلى نفسه  مدة طويلة فتارة يضحك وتارة يبكي ..

 وهاهي الجدة تحمل صينية نحاسية عليها شمعة وريشة ، وضعت رأس نوفل على ركبتها وقالت له تعال لنعد شعيرات هذه الريشة إلى  أن يدخل أباك ، وبينما الجدة مي خدوج والصبي نوفل مسمرين على إتمام ما زعما حتى دخل الأب ، محملا بالكثير من الهدايا ، وعلت بسمة جميلة على محيا الصبي نوفل ، وقال : ما أعظمك يا أبي.

وجلس الأصدقاء يحتسون كأس شاي في هناء وعافية ، لكن الطفل يحز في نفسه غياب والدته .

لتداهم الجدة أفكار الصبي الذي صار في عمره ست سنوات ، أنها سترافقه للمدرسة التي تبعد بخمس كيلومترات ، فعاد الدم يضخ في قلبه من جديد ، لأنه سيرى المعلم وسيخلق علاقات اجتماعية جديدة وسيقضي أوقات ممتعة رفقة أقرانه وأنداده.

وكانت الجدة حضنا حاميا ، وسندا وعوضا رائعا لروحه.