adsense

2021/07/07 - 9:40 م

 

بقلم الأستاذ حميد طولست

تمهيد قبل البدأ أود أن أعتذر عن قسوتي على أبناء معشوقتي فاس وأردد مع نزار قباني:" فإذا صرخت في وجه من أحببتهم، فلكي يعيش الحب والأحباب.. وإذا قسوت على العروبة مرة، فلقد تضيق بكحلها الأهداب!.

البدأ: ليست المدن كلها محصنة من الكوارث، وتمرُّ أكثريتها بمصاعب ، تفلح بعضها في تجاوزها ، ويخفق بعضها الآخر في تخطي متاعبه التي تتحول في الكثير من الأحيان إلى احتقانات وانضغاطات تخلف نوائب كارثية ، كما هو حال مدينة فاس -التي لا تختلف عن أي مدينة من مدن العالم - التي غدت النحوس  جزء من نسيجها الاجتماعي ، فلم تتمكن من النهوض من بين رماد محنها ومصائبها ، التي شكلت لها أعباء فوق طاقتها ، انضافت إلى الكثير من عوامل "الريفنة والبدونة والقرينة" -بكل ما تحمله هذه الكلمات الثلاثة من معاني اجتماعية وحضارية- التي شوهت وجهها ، وغيرت طراز معيشة مجتمعها ،  جراء التحولات الديموغرافية التي خلفتها هجرة جيوش من الطبقة الرثة فكريا وحضاريا والحاملة معها للكثير من تقاليد البدونة ، وعادات  الريفنة ، وسلوكيات القرينة التي حولتها إلى قرية كبيرة ، تتخبط في أزمات والتوسع السرطاني لمدن الصفيح بما تشيعه من التشابه والنمطية والاستنساخ والتفاهة والبشاعة التي يصعب الخروج منها أو السيطرة على مخلفاتها التي يستطيع أي داخل لها ، ومن أي بوابة من بواباتها ، أن يكتشف ، وبيسر شديد ، أنه لم يبق بها أي مظهر من المظاهر الحضارية والاجتماعية والثقافية والتاريخية وحتى الدينية ، التي اعتاد الكثير ممن ينظرون للقضية من جانب واحد ، على تحميل السلطات - الحكومية والمنتخبة- مسؤولية وزر أي فشل اجتماعي ، أو كساد ثقافي ، أو تقهقر حضاري ، أو إخفاق أقتصادي ، أو نكوص سياسي ، وغيره مما يهمّ المدينة ورفاه مواطنيها وصحتهم وتعليمهم ، والذي لا تعود بالضرورة اسبابه إلى السلطات وحدها- الحكومية والمنتخبة ، التي تتهم وحدها بتدمير الأمجاد الحضارية والتاريخية للمدينة،  بينما يُغض الطرف عن شريكها الأساسي في تلك المسؤولية الساكنة ويدها الطولى في مسخ معالم المدينة ، وتتريك الكثير من مقومتها الحضارية والتاريخية ، والتي لا تقل خطورة مسؤوليتها عن لامبالات السلطة وتقصيرها في الخدمات العمومية الضرورية والواجبة نحو المدينة ، والتي لا تقل كذلك عن تواطؤ المنتخبين وتقصيرهم في العمل بشكل إيجابي على البحث عن السبل الحقيقية ، وليست الوهمية ، لتحريرها المدينة التي يمثلونها -كقضية أجتماعية ذات أبعاد تأريخية وأقتصادية وسياسية وثقافية - من انقلاب عاليها سافلها ، الذي يتجاهل الكثير منهم آثاره المحتملة ، ويستخفون بخطورة تحول تراكماته الكمية التي لا تحدث هكذا عفو الخاطر ، إلى تحولات كيفية و نوعية خطيرة  لا تحدث بين عشية وضحاها ، دون أن تتهيأ لها ظروف اختمار عواملها في قاع المجتمع وفي مسار زمني طويل وتحت أنظار المسؤولين المطلعين على خفايا الأمور، و ممثلي الأمة محليا ووطنيا على رأسهم أو هكذا يجب ان يكون.

خلاصة القول ، هو أنه لا يمكن انقاد مدينة فاس ، والارتقاء بها ، واعادة بناء حاضرها واستشراف مستقبلها حضاريا وتراثيا وتاريخيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا ودينيا ، إلا بصحوة عارمة تبني ساكنتها ،  وجعلها تدركون – وخاصة أنها لا تنقصها القدوات المخلصة النزيهة ، ولا الرجالات المؤمنة -أنه لا سبيل إلى ذلك إلا بتحمل مسؤوليتها كاملة نحو ما وصل إليه حال المدينة نتيجة تصوراتها غير الواقعية ، و تصرفاتها الخاطئة ، بدل لعن حظ المدينة البائس، وتركها لمصيرها ، تضرب رأسها على صخرة  نحوس البَدوَنة والرَيفَنة القَرينَة..