adsense

2021/06/23 - 6:24 م

بقلم الكاتبة والروائية حسناء وهابي

لأول مرة تلج الجامعة،راحت بكل فخر وحيوية ونشاط،كانت تلك الطالبة الشغوفة النجية،مرحة النفس،طيبة القلب، سابية الروح..كلها صفات توارت حينما دخل بحياتها رجل،عادت إلهام مرة أخرى لتثير شفقة الآخرين،أضحت تحت رحمة رجلٍ،كانت لقمة سائغة في يد زوج سليط اللسان،خبيث القلب،عاص للمعبود و العبد،لم تطلب منه أي شيء سوى التحلق في سماء دراستها والغوص في أحضانها،لم ترغمه على مراسيم الزفاف،بل هي من تكلفت بمصاريفه بمبلغ منحتها الدراسية والإشهار بالزواج.

أبويها أوصوه بالحفاظ عن ابنتهما،وعدم تعذيبها وقهرها وإرغامها على مالاتطيقه،تركا له أمانة غالية والدموع تذرف على وجنتيهما الرحيمتين،وتنسكب من مقلتيهما كأنها تنبؤ لما سيحصل.لكن هذه الوصايا ذهبت في مهب الريح،حيث أرغموها على فعل مالاتطيق،وتفننوا في تعذيبها وأبدعوا كيفما شاؤوا بدون حسيب ولارقيب.

صبرت،تحملت،تألمت،صرخت،استنجدت،رغم كل ذلك،إلا أن محاولاتها باءت بالفشل،وأن صبرها لايجدي فتيلا.لكن هناك رب رحيم،بين الفينة والأخرى بدأت تراودها فكرة الهروب والتخلي عن مايؤلمها،فهمَّت بالفرار إلى منزل والدها والذي يعرف قيمة جوهرته النفيسة.

فتلك الظروف لاتبقي صبرا ولا تلد رحمة،كأنها رياح لاتبقي ولاتدر،فقط أنها تهلك لواعج القلب،وتتلف خلجاته.

قد يعرف التعافي طريقه لجسدها المنكوب،لكن روحها ستظل معلقة بين السماء والأرض،لاتهنأ بانتهاء الألم المرهون بآخر نفس،ولاتقوى على التحرر واستكمال المسير،استلقيت على ظهرها وبقيت تنظر للسقف القصديري ولم تغمض جفنها ولم يهدأ بالها فبدأت تردد في خاطرها:(أنا عالقة في أخطائي غير المغفورة..في عزلتي التي فرضت علي..أنا الممقوتة من ذويها..المنبوذة حتى من نفسها..أنا المقصية من الحياة ..أنا التائهة وسط المعاناة..)هنا باتت تتوارى عن الأنظار الساخطة،حيث صارت تبحث عن هويتها المفقودة بالخارج،تنتظر حتى يأتيها الموت أو تذهب هي إليه،كلها أفكار واهية بسبب قيدها.

انبلج الصبح،هناك أضواء باهتة تكاد تعتم الجو وتلزمه على الاختناق من ورائها،وفي ركن تلك الزاوية،هناك فتاة تكورت على نفسها،دفنت وجهها بين ركبتيها وتاهت من جديد بين تلك الذكريات كعادتها من حين لآخر.

نفس الذكريات الأليمة،تكاد أن تتسبب في تفجير خلايا دماغها،وتعود بها ذاكرتها للأيام الخوالي،أيام جمعت بينها وبين إخوة أصدقاء،بين أحباب تمركزت أسماؤهم على شَغاف قلبها،أصبحوا فقط من الماضي!،تخونها ذاكرتها لتعيد نفس السيناريو كل مرة،ففيما مضى كانت فتاة مليئة بالحياة،مفعمة بالأمل،تحب الابتسامة،تعشق التفاؤل،وبدأت تقارن كيف أضحت فتاة فارغة.

الخيانة والنفاق والظلم والانكسار،جملة من الأحاسيس الممزقة للكيان العاطفي،مورست عليها كصفعات،كمن يجيد صنع اللطم،وكان ذلك في سبيل تعليمها درسا جديدا وجميلا،لكن البراءة قتلت من جانب آخر.

بدأت تتساءل:لم أنا؟ مالسبب؟ ماذا فعلت ليكون هذا جزائي؟

ثم تعود بها الذاكرة لأولئك الذين ابتسموا لها  فصدقتهم،وللذين خذلوها فأوفت بجميل خذلانهم، فتبدأ الدمعات تذرف واحدة تلو الثانية،كانت كتابا مفتوحا بعضهم مزق وريقاته،والبعض الآخر خطط ودرس أفكاره وعرف مكامن ضعفه.

رغم الألم النفسي،إلا أنها تتمتع بقوة نفسية يغلب عليها طابع المرح والبساطة،كل شيء بسيط تغزل منه خيوط الفرح وتنسج منه نسيج البهجة والسرور،وشيئا فشيئا حتى تحررت من كل القيود،تلك المعاناة أنجبت نجاح إلهام في التمرد عن القدر المحتوم،وتغيير الواقع المشؤوم،ومعرفة معادن الناس المجهول منها والمعلوم.