adsense

2020/03/19 - 6:02 م

بقلم عبد الغني فرحتي
" في غياب التضامن الدولي وهيئات مشتركة من أجل اتخاذ التدابير لتطويق فيروس كورونا، نشهد (في المقابل) الإغلاق الأناني (لحدود) الدول".
                                                                   إدغار موران
بعيدا عن الخوض في موضوع العولمة ومظاهرها وإذابتها للحدود بين الدول والقارات، وما دام "أن المناسبة شرط" كما يقال. سنركز على تداعيات انتشار جائحة كورونا وعلاقتها بالعولمة. لقد غدا العالم، كما هو معلوم، قرية صغيرة، كل بقعة منه مفتوحة على ما يجري في عالمنا المعاصر، منفعلة مع ما يخترع من مستجدات تقنية وما يعتمل فيه من أحداث، مهما كانت المسافة الفاصلة بيننا وبين موقع الحدث.
لا يمكن أبدا لأي كان أن ينكر ما حققته الإنسانية في مسيرتها، وخاصة خلال العقود الأخيرة، من تقدم تكنولوجي مثير وواسع. لكن هل بالفعل يمتد هذا التقدم ليشمل كل المستويات وخاصة المستويات الأخلاقية والإنسانية أم أنه لا يعدو أن يكون مجرد تقدم تقني مادي فقط؟
  نستحضر، في هذا الإطار ما يقوله الفيلسوف الأمريكي الألماني الأصل هيربرت ماركوز: " إن ارتقاء الإنسانية خارج العبودية والفقر... يفترض التقدم التقني، ولكن... ليس التقدم الإنساني نتيجة أوتوماتيكية للتقدم التقني". فقد تغزو الوسائل التقنية كل مجالات الحياة، لكن تظل الحاجة إلى تحقيق تقدم ذي أبعاد إنسانية أمرا ملحا. تقدم أخلاقي يكون من أهم مقوماته القضاء على العديد من مظاهر البؤس التي لا تزال تسود الكثير من البقاع كالفقر والعبودية والأنانية وقانون الغاب المتحكمين، لحد الساعة، في العلاقات الدولية.
لقد عبر عن هذا الوضع بشكل أوضح الفيلسوف إدغار موران وهو يشير إلى هذه الجائحة التي زلزلت أركان الدول والشعوب في وقتنا الراهن حين قال: "لقد أنتجت العولمة، بالفعل، التوحيد التقني والاقتصادي للكوكب، لكنها لم تطور ( ولم تعزز) التفاهم بين الشعوب". فها هو الوباء يستشري بإيقاع سريع جدا. لا يهم الآن الخوض في النقاش الدائر حول ما إذا كان الفيروس من تدبير جهة ما أم هو مظهر من مظاهر العنف المضاد الذي أمست تمارسه الطبيعة على الإنسان كرد فعل على ما يستهدفها من عنف وتدمير واستنزاف. المهم حاليا، هو أن الوباء قاد إلى إيقاف عجلة الاقتصاد وأصاب مختلف مرافق الحياة بالشلل، ناهيك عن عدد الضحايا الذين سقطوا. حتى الدول المتقدمة لم تسلم من الانعكاسات السلبية لهذا الداء. فدائرة من امتدت إليهم العدوى لا تزداد مع الساعات والأيام إلا اتساعا ( حوالي 3000 وفاة في إيطاليا منها 475 خلال الأمس فقط ، فرنسا أكثر من 120 وفاة، منها 36 حالة الأمس...)
  وإذا كان هذا هو الحال في الدول المتقدمة والتي تمتلك بنيات تحتية حديثة وإمكانيات تساعدها على مواجهة الوباء، فإن السؤال الذي يؤرق هو: كيف سيكون الوضع وقد بدأنا نستمع على وجود بؤر لهذه الجائحة في عديد من الدول الإفريقية؟.
   إنها مسألة مقلقة دفعت مدير منظمة الصحة العالمية اليوم إلى دق ناقوس الخطر والتنبيه إلى أن القارة الإفريقية وخاصة دول جنوب الصحراء، مطالبة بالاستفاقة والاستعداد للأسوأ. لذلك لا ينبغي ترك هذه الدول وهي المفتقرة للإمكانيات الضرورية الكفيلة بمساعدتها على تجاوز المحنة، تواجه مصيرها لوحدها.
الكل يعلم أن وضع الغرب وتقدمه ورفاهيته، أركانه الأساسية قامت ولا تزال على استغلال خيرات إفريقيا. لذلك، يقع على عاتق الغرب، وعاتق كل الدول ذات الإمكانيات مسؤولية الوقوف إلى جانب الشعوب الإفريقية ومساعدتها على مواجهة جائحة كورولا.        إن الإجراءات التي صارت تتخذها العديد من الدول والتي تقوم على إغلاق الحدود وتكريس كل جهودها من أجل محاصرة الوباء محليا فقط، ينم عن أنانية وانغلاق على الذات.
  لا بد من أن تتحمل المنظمات الدولية مسؤوليتها وتعمل على التنبيه إلى ضرورة إشاعة روح التضامن بين الدول والشعوب. فالحدود لا يمكن أن تبقى منغلقة إلى الأبد. لا يمكن الادعاء أبدا والزعم، بالقدرة على هزم الوباء بإجراءات وتدابير محلية فقط بل لا بد من أن تتوحد الجهود وتتضافر إقليميا ودوليا لتحقيق المبتغى.
   لقد خلقت العولمة ــ يقول إدغار موران ــ مصيرا مشتركا للبشر، لكن البشر لم يدركوا ذلك. وهذا الفيروس يبرز، بشكل مباشر ومأساوي، وحدة المصير". وحدة مصير قدر لا مفر منه، مهما أغلقت الحدود ومهما ارتفعت الأسوار والجدران والأسيجة.