adsense

2019/05/10 - 3:41 ص



بقلم أسامة أوفريد

يتساءل الكثيرون لماذا هناك حملة ضد الحواجز في الحافلات العمومية بمدينة فاس، فتتناسل التكهنات والإجابات وتتعدد، بين من يدعي أن الحملة هي محاولة للركوب على الأزمات للحصول على مقاعد في الانتخابات القادمة، وبين من يدعي بأنها معركة شباب لملء الفراغ وتمضية بعض الوقت في انتظار معركة أخرى... وهكذا دواليك من التكهنات، التي تشترك في صيغة واحدة، ألا وهي ابتعادها عن حقيقة وماهية المعركة.
إن وجود مشكل حقيقي يعتري منظومة النقل الحضري بفاس، هو الذي أخرج الشباب للاحتجاج في آخر المطاف؛ هذا المشكل الذي سيخلق ردة فعل، أو فعلا مؤسسا لمقاومة هذا المشكل. إن وجود معتقلين سياسيين هو الذي أخرج الشعب إلى الشارع يطالبون بإطلاق سراحهم، ووجود هشاشة بالمنظومة التعليمية هو الذي دفع الأساتذة إلى الاحتجاج للمطالبة بتحسين الظروف وضرورة الحفاظ على المدرسة العمومية، وكذلك فأزمة المنظومة الصحية هي التي دفعت الأطر الصحية إلى المقاطعة والخروج إلى الشارع. بالمنطق نفسه، فمشكل الحواجز، هو الذي دفع شباب مدينة فاس للقيام بالحملة ضد الشركة؛ فالحواجز تقصي مجموعة من الفئات على رأسهم ذوي الاحتياجات الخاصة. هذا الشباب المتشبع بفكرة المواطنة، المدافع عن حقوق الإنسان، رأى أن هاته الحواجز تحط من قيمة الإنسان، فانتفض ضدها بالتأسيس لحملة منظمة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار "لا للحواجز داخل الحافلات العمومية"؛ شعار وجد تفاعلا كبيرا من الساكنة، حيث أصبح شعارا لها في الأيام الأخيرة.
ولكل فعل نضالي ضريبة، حيث إن هذا الشباب المواطن قد تعرض لهجمات على الحسابات الفايسبوكية الشخصية، ومحاولات لتشويه سمعتهم. غير أن هذا الوضع، لم يحد من عزيمة الشباب ممن يطمحون لوطن يتسع للجميع؛ لمغرب المواطنة، بل جعلهم مدافعين شرسين على المطلب، متشبثين به، ذلك أن  هاته الهجومات المضادة ما هي إلا دليل على شرعية المطلب.
يرى البعض أن إزالة الحواجز ستكون سببا في استعمال الحافلات من قبل مجموعة من الأشخاص دون تأدية ثمن التذكرة. والحال أن تأدية التذكرة واجب، ويحتاج إلى ثقافة مواطنة من أجل ترسيخ هذا المبدأ، وليس إلى وسائل زجرية. كما يحتاج إلى توعية مستمرة وإلى مجتمع مدني حقيقي يهدف إلى إنتاج مواطن واعي بحقوقه ومؤدي لواجباته، لا ذلك المواطن الخانع.
لقد اتسمت الحملة بإبداعات كثيرة؛ مقالات، أغاني، فيديوهات، صور متنوعة ومعبرة، توقيع عريضة من قبل المواطنين داخل مواقع التواصل الاجتماعي، لتصل في الأخير إلى البرلمان، بعد السؤال الكتابي الذي طرحه النائب عن فيدرالية اليسار الديمقراطي عمر بلافريج، وهو السؤال الموجه إلى وزير الداخلية يتساءل فيه عن الإجراءات التي سيتم اتخاذها لحل هذا المشكل.
وللمسؤولين بفاس رأي مخالف لرأي مجموع المواطنين. فمجلس المدينة وولاية جهة فاس مكناس ورغم العديد من التدوينات، التي دعا فيها المواطنات والمواطنون إلى ضرورة التدخل لحل هذا المشكل، فقد ظلوا صامتين، مما دفع مجموعة من المواطنين إلى التساؤل حول خلفية هذا الصمت المطبق من قبل مسؤولي فاس.
يعتبر استعمال الحافلات حقا لكل ساكنة المدينة، هذا الحق الذي ينبغي أن يتعزز بالراحة وجودة الخدمات المقدمة، وهو كذلك حق لجميع الفئات، خاصة ذوي الاحتياجات الخاصة، ذلك أن النقل الحضري هو في خدمة المواطن دائما وأبدا. لكن يظل منطق الربح هو المهيمن، وسابق على الإنسان لدى العديد من الشركات. وأمام هذا الصمت والتواطؤ من قبل المسؤولين بمدينة فاس، يبقى الشباب الطامح للتغيير في الواجهة يندد ويصرخ ويبدع في الأشكال النضالية إلى حين تحقيق المطلب بإزالة هاته الحواجز الحاطة من كرامة  الإنسان.