بقلم الأستاذ حميد طولست
كعادتنا في مناقشة أي طارئ ، وتداول أي جديد ، تنقسم آراؤنا
إلى نصفين لا ثالث لهما ، إما مع بتطرف أو ضد بتعصب، كما حدث في تعاطي الكثيرين - محليا
وخارجيا - مع قضية إحالة ملف حامي الدين على غرفة الجنايات بتهمة المساهمة في القتل
، والتي أتبع في مناقشتها ، نفس أسلوب تضارب الآراء بين المؤيدين والمعارضين، المبنية
على سياسة الفرز والتصنيف وفق إطار الأيدولوجية الحزبية القائمة علي التعصب والتخوين
في كل شيء ، دون يمارسة أي قراءة متأنية للقضية ولم يتعاملوا معها برؤية ناضجة متزنة
تتوخى الحقيقة المنزهة عن العاطفة التي تحجب العقل ، وتغطي صوت الحكمة، وتجعل الجدال
المذموم -الذي نهي عنه الاسلام لما فيه من مغالبة الحق بالباطل- يستبد بالقضية ويغلق
منافذها ، ويزيد من تشابك خيوط توتر وقلق حزب العدالة والتنمية حولها ، ودفع بقادته
لحشد الدعم لأخيهم المتهم حامي الدين - في إطار لجنة الدعم التي يرأسها وزير حقوق الإنسان
- لدى زعماء أحزاب الأغلبية والمعارضة، الذين
نتمنى أن يكونوا أقوياء في الحق ولا تأخذهم لومة لائم في الوقوف إلى جانب المظلوم ،
دون محاباة أحد على حساب الآخر، تطبيقا لما
رمى إليه الحديث النبوي " من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس،
ومن أسخط الله برضا الناس، وكله الله إلى الناس " وبصرف النظر عن سند الحديث ، الذي تعد دلالته وثيقة
تؤكد أن ذلك إرضاء من نعرف من الناس ببطر حق من لا نعرفه منهم ، لأمر خطير جدا، ضرب
لمضمون ما حفظناه عن ظهر قلب من حديثه صلى الله عليه وسلم في المدرسة الإبتدائية والقائل
: "الناس سواسية كأسنان المشط ..." وتعضيد للمثل الجاهلي "أنصر أخاك
ظالما أو مظلوما"، بكل ما فيه من نشر للظلم والذي يوحي -مع الأسف- بأن التحيز
ملازم لفكر حزب "المتهم "، ذي المرجعية الإسلامية ، وبالتالي يوحي إلى أن
الإسلام دين يحث أتباعه على الظلم والتعدي على حق الغير ، الأمر الذي لابد أن يردعهم
عنه ما سيواجههم به أعدل العادلين يوم الحساب ، بسؤاله عن محاباتهم للأقارب والمعارف
والدفاع المستميت عن المخطئ منهم ، ضدا في الدين والقانون ودولة المؤسسات ، وعلى حساب
الآخرين ، الذين تُغمط حقوقهم ، لأنهم ليسوا من حزبهم ولا من معارفهم ولا من عشيرتهم،
وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نعطي كل ذي حق حقه ، عرفناه أم لم نعرفه في هذه الدنيا
التي لاشك أن الجميع يعرف أنها دوارة -كما يقال - تصيب ، بإذن الله ، الظالم بما ظلم
، والشامت بما شمت ، والمسيء بما أساء ، الأمر الذي يحتم على كل مسؤول عن رعية ما أن
يضعه نصب عينيه ، هو أن اليوم ليس هو الأمس– أو يكاد- وأن الوضع قد تغير بكل أدواته
ومدخلاته ومخرجاته وقوانين وكل العلائق التي تحكم الناس ، ولم يعد يحتمل المزايدة المجانبة
على القيم الدينية التي تثير غضب الله ، بإلباس الظلم رداء التقوى ، والاطمئنان إلى
اللاعقاب ، الذي يزيد من ظلم المستبد بغيره -والذي لا يستقبحه لأنه يخشى ارتكابه ،
وإنما لخوفه من أن يعاني منه ، لأنه هو في
الغالب من أجبن الناس وما يغريه بالظلم إلا أمن العقاب..
وإني هنا في هذه المقالة لم أقصد الركب على موجة النقد واللوم ، وإنما أردت قرع ناقوس حال لا يسر لأزمة خانقة
، ليس من المستحيل أن يفقد معها المواطن إنسانيته بعد أن فقد... !!.