adsense

2019/01/23 - 7:38 م


بقلم ابراهيم فارح
كل يوم نعض على اناملنا ونلعن حظنا العاثر ونلعن تجارتهم بالدين ونحذرهم بالويل والثبور وعظائم الأمور عقابا من رب السماء على ما يقترفونه في حق الدين.
ومناسبة هذا الكلام خطاب «بنكيران" مؤخرا في جمع من شباب الحزب او مريديه ، حيث يعتبر أكثر واحد في الوقت الحالي يستثمر في مآسي ومصائب هذا الشعب المغلوب على أمره. ويمكن اعتبار خطاب التهريج والشعبوية، الذي يستخدمه رئيس الحكومة السابق، أسلوبا ومنهجا للاستغفال كان ولا زال يستعمله. ويبدو أنه قد نجح في ذلك فيما مضى ؛ حيث حقق حزب العدالة والتنمية نجاحا كاسحا في الانتخابات الجماعية والبرلمانية الأخيرة، بينما قرارات الحكومة التي قادها ويقودها حزبه لا تزيد وضعية الطبقات المتوسطة والفقيرة إلا تدهورا وتأزما؟
ان حزبا يدعي أن مرجعيته اسلامية  لن يدعَ الناسَ تمضي للديمقراطية والحداثة، فحين يحدث ذلك ماذا سيفعل وأين يولي وكيف يحمي استغلاله للشعب؟ فلا بد أن يقاوم انهيار سلطته بقوة، كما يعملَ الآن ومنذ تولى الحكم ويصمد من أجل بقاء استغلاله لثقة هذه الامة زمناً طويلاً مستعملا كافة الأدوات ليواصل عصر شرايين الشعب في خزائنه، ونحن لا زلنا نردد " الله يجعل الغفلة بين البايع والشاري" وهم يستغلون هذه المقولة على أكمل وجه، والشاري في هذا المجال إما أن يكون مُغفَّلا أو ساذجا ولا غرابة أن يلجأ تجار الدين هؤلاء إلى خداع المسلم وإيهامه بأن دينه في خطر وأن عليه أن يبذل الغالي والنفيس لنصرة دين الله.
ويبدو أن تجار الدين قد نجحوا، ليس فقط في تضليل عامة الناس، بل وأيضا استطاعوا أن يخدعوا العديد من نخب المجتمع من أطباء ومهندسين ومثقفين وأكاديميين ورجال الأعمال وغيرهم.
فتجارة الدين تجارة قديمة عابره للزمان والمكان والأديان، فلا يوجد دين في أي زمان أو مكان لم يتاجر به رجاله، تسويقا لبضاعة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية فاسدة، يتم تغليفها بغلاف الدين فيسهل بيعها بأغلى الأثمان ليحقق التاجر ما يريد من ثروة وسلطة.
وأعتقد أن المجال الذي تعرف فيه المتاجرة بالدين رواجا كبيرا ويعرف فيه الاستثمار في الغفلة طفرة نوعية وتقدما ملموسا، هو مجال السياسة.
ولعل أكبر دليل على ذلك كلام "بنكيران" الذي انقلب على عقبيه من الحديث عن الله وعن العمل لوجه الله وعن الموت في سبيل الله الى مصطلحات من قبيل الحريات الشخصية والحجاب علاقة بين المرأة وربها ولا دخل لهم به، والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج....! سوى استغفال للناس بصيغة أخرى وتعبئة نفس المنتوج في أغلفة جديدة تناسب الوضع الذي وجد الحزب نفسه فيه.
فأعضاء الحزب والجماعة وجهان لعملة واحدة عنوانها استغلال الخطاب الديني في كسب تعاطف المغاربة فهم يحولونُ رموزَ الدين المقدسة لدى المؤمنين من صلوات وكتاب ومناسبات إلى سيطرة على الناس واستغلال موارد عيشهم وهيمنة على أرواحهم حتى لا تطير نحو الحرية وإعمال العقل.  لكن المقدس لديهم فعلاً هو الخزائن وكيفية تكديس الأموال وتجميع الثروات، ألا ترى كيف يستميتون لملءِ حساباتهم البنكية بالإتاوات والأموال والامتيازات؟
ألا ترى كيف يخافون أن يتحرر الناس ويغدون حداثيين يعبدون اللهَ دون الرجوع إلى "المرشد"؟ ويمارسون شعائرَهم الدينية دون وكالاتٍ تجارية وسمسرة اجتماعية؟
وإذا كان هذا الحزب قد استغل جيدا الغفلة بين البائع والشاري لصالحه فلا يجب ان نغفل أن أي عملية تجارية لها طرفين بائع ومشتري. فإذا كان رجال الدين والسياسيين هم البائعون فنحن من يشترى.
ولذا علينا الا نكون الطرف المغفل في هذه الصفقة نشترى البضاعة الفاسدة الراكدة رغم علمنا بذلك لمجرد أن البائع قد غلفها بغلاف من اللحية والدينار. بل يجب أن ننزع غطاء الدين عن الفاسدين من رجال الدين والمستبدين من الحكام.
ماذا لو خلخلنا قوانين العرض والطلب في الاقتصاد وتوقفنا عن الشراء! نتيجة المعادلة سهلة البضاعة ستركد، والتاجر إذا تعرض للخسارة سيكون عليه إما تغيير النشاط أو التسول.
علينا ان نقول كفى، كفى من الهرولة نحو هذه البضاعة الفاسدة حتى وان كانت معبأة في حلة دينية جميلة المظهر فهي حتما مسمومة الجوهر.
إذا كان همنا الخلاص من النصابين باسم الله، علينا أن نتوقف عن الشراء. علينا أن نقول لهم  الدين أخلاق ولا أخلاق في السياسة . لن نشتري بضاعتكم السياسية والاقتصادية والاجتماعية ما لم تكن صالحة لهذا الزمان والمكان. لن نشترى بضاعة منتهية الصلاحية فاسدة مسممة حتى ولو كانت مغلفة بورق الدين.
نريد سياسة صالحة لزماننا، قائمة على المواطنة واحترام الحريات العامة وسيادة القانون وتداول السلطة.
نريد تنمية اقتصادية همها رفاه المواطن وضمان كرامته.
نريد حياة اجتماعية تتوافق مع العصر الحديث وليس العصور الوسطى.
قال تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).
وقال كذلك :(فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون)
صدق الله العظيم
 كانت هذه الآيات خير ما أختم به علها تكون موعظة حسنة لتجار الدبن يقرؤونها خير من ان  يطرقوا بها رؤوسنا وأشهد الله ما أردت بها منصبا ولا صناديق اقتراع. 
له علاقة بما سبق:
 الآن والآن فقط عرفت لماذا كان بنكيران يتشبث بانضمام حزب شباط إلى الحكومة، فقد كان على يقين تام أن موازين كلامه ستختل وسيحتاج حتما إلى استعارة ميزان "صديقه" من أجل أن يزن كلامه قبل ان يطلقه على عواهنه.