adsense

2021/01/11 - 12:28 م


 بقلم فرحتي عبد الغني  

كان اليوم التاسع من شهر يناير، بدا الأمر وكأننا أمام مشاهد من فيلم هوليودي من وحي الخيال، تؤثثه أحداث غرائبية تزيدها إثارة وتشويقا. لكن العالم سيصدم بأن تلك المشاهد حقيقية، وما زاد من شدة وقع الصدمة أنها تخدش صورة الديموقراطية في بلد يعتبر نفسه قائد ومجسد و"حارس" الديموقراطية في العالم.

 من المعلوم أن من ضمن أسس الديموقراطية، في الأنظمة الرئاسية، الثقة في النظام الانتخابي والإيمان بأن المنصب غير دائم تتحكم فيها موازين القوى المتنافسة في المجتمع وأن المشروعية تكتسب من الاستشارات الشعبية. انطلاقا من ذلك، لا أحد كان يتصور أن رئيسا أمريكيا خذلته صناديق الاقتراع، سيرفض الاعتراف بالهزيمة، بل أكثر من ذلك، سيجيش بخطاباته المستفزة جماعات من العنصريين ويدعوهم إلى الهرولة نحو مقر الكونغريس بهدف منع أعضائه من التصديق على فوز غريمه ومنافسه خلال الجلسة المقررة في التاسع من يناير. 

  كان بحق، سلوكا نشازا ومتهورا، نجم عنه إزهاق أرواح وإسالة دماء والعبث بمكان مقدس يحمل من الرمزية الشيء الكثير. ظهر " ذو القرنين" من جديد، يقود جماعات بدوا مثل "هاجوج وماجوج"، بوجوه مكشوفة وبشعارات مستفزة وبأهداف معلنة: " نريد إيقاف جلسة الكونغرس، لا رئيس إلا الرئيس ترامب".

  من الأكيد أن مثل هذا الحدث أسال وسيسيل سيولا من المداد ويثير العديد من التساؤلات. ما حدث يسائل الديموقراطية ويدفع إلى التفكير في تصحيح بعض الاختلالات التي قد تفرزها. 

  بطبيعة الحال، نرفض رفضا مطلقا مواقف بعض الجهات المعادية للديموقراطية والتي تريد أن تستغل الحدث لتبرير الاستبداد والتضييق على الحريات وما إلى ذلك. فالديموقراطية تبقى، مع ذلك، من أحسن الأنظمة السياسية التي ابتدعها الإنسان وهدت إليها الشرائع السماوية " وأمرهم شورى بينهم " (من الآية 38 من سورة الشورى). غير أن المتأمل للواقع السياسي للعديد من الدول ذات التقاليد الديموقراطية الراسخة، سيلاحظ كيف أن الاستحقاقات الانتخابية بها صارت أحيانا تقود إلى فوز شخصيات تفتقر إلى مواصفات وكاريزما رجال الدولة الأكفاء.

  لقد طغت سلطة المال وهيمنت الخطابات الشعبوية التي تقتات من النعرات العرقية والدينية والإقليمية وصارت شبكات التواصل الاجتماعية أداة لتنميط الناس وتجييشهم والتحكم في توجهاتهم مستغلة الضعف المتواصل لمؤسسات الوساطة المعروفة (أحزاب/ نقابات/ جمعيات...)، وهي مؤشرات كلها تهدد الديموقراطية.

 لن يندمل هذا الجرح الأمريكي بمغادرة ترامب للمشهد السياسي، فله ملايين من الأتباع. فهل أضحى الحلم الأمريكي كابوسا؟.   

   لنختم ونتساءل مع أحد المفكرين الأمريكيين: " ما ذا كان سيقع لو أن "ذا القرنين ذاك، كان زنجيا، يتزعم جماعة من السود ومن الملونين، هل كانت الأجهزة الأمنية المحصنة للكابتول ستتعامل معهم بنفس الطريقة التي عاملوا بها "هاجوج وماجوج" وقائدهم "ذا القرنين " الأبيض؟؟