adsense

2021/01/19 - 1:01 م

  بقلم عبدالحي الرايس

أما السابق فيرجعُ تاريخه إلى مُستهل 2012، وقد اختص ـ ولا نقول تميز ـ بتثبيت الاستثناءات، وتكريس الاختلالات، ورغم ما سُجِّلَ عليه من مآخذَ وانتقادات، فقد آثر التصامُمَ واعتمادَ المغالطات، وسار بعيداً عن تحقيق أي توازنات.

- ولا أدَلَّ على ذلك من أن حَيّاً بكامله كان يزخرُ بداراتٍ مُؤثثة بالأشجار المُعمِّرة النادرة، تفصلُ بينها أزقة ضيقة، والتواءات بزوايا قائمة، شمله الاستثناء، فآل إلى حَيٍّ مُكتظٍّ بالعمارات، اختفى ما كان به من مُخْضَرِّ المساحات، ورغم ما طرأ عليه من ارتفاع كثافة السكان، وتَضاعُف أعداد السيارات، فقد ظلت الأزقة على حالها، لم تعرفْ توسيعاً لعرضها، ولا مُلاءمةً لزوايا مُلتقياتها.

- ومنطقة بِمَنفَذِ الطريق السَّيار أبقى عليها للتشاور، وكان مأمولاً أن يُعوِّضَ بها ما تشكوه المدينة من افتقار إلى حدائق الأطفال، ونقصٍ في المساحات الخضراء، غير أنها ما لبثتْ أن تخطَّت التشاورَ إلى الإسكان والإعمار.

- وطرقاً مدارية كان مُخططاً لها أن تُعالج اختناقات المرور، قَلَّص الاستثناءُ عرضَ بعض مقاطعها، فصادَرَ تَوَجُّهَهَا، وعَطَّل دورها.

- ومناطق رطبة، وأراضي فيضية كانت حافلة بأشجارٍ تكاثفتْ لأزيدَ من عَقْدٍ من الزمان، أتى عليها الاستثناء، فاجتثَّ أشجارَها،  وصَيَّرها مُخصَّصةً للبناء.

وأما تصميمُ التهيئة اللاحق فيتمُّ إعدادُه في صمت، ونامل ألا يكون صمتاً مريباً .

خاصة ونحن نعيش عَشريَّة استثنائيةً فاصلة، يُراهِنُ عليها المُنتظَمُ الدَّوْلي لتكون عَشَرِيَّةَ تحقيقِ وتفعيل أهداف الاستدامة، استدامةِ التنميةِ عامَّةً، واستدامةِ المدينةِ خاصَّة.

ولا استدامةَ للمدينة في غياب التوازناتِ البيئية، وتوفير المرافق اللازمة بمعاييرِ العصْر التي لا تقنعُ بما دون تأمين الكرامة الإنسانية، وتوفير الشروط الضرورية لمواجهة آفة التغيرات المناخية، وضمان الصحة البدنية والنفسية لاستمرار الحياة البشرية.

وَخُلصَاءُ المدينة، عُمْدَاتُ المُدُنِ الصديقةِ الرائدة، صارُوا يُؤكِّدُون اقتناعَهم بضرورة تجاوُز البدْء بإسناد إعداد تصاميم التهيئة إلى الخبراء ومكاتب الدراسات قبل عرضها ـ في إطار التشاور ـ على السكان، وأخذوا يعكسون الآية، فيسْتطلعون رأيَ مُختلِفِ أطْيافِ المجتمع أَوَّلاً، وينزلون عند نتائج الاستطلاع، ثم يسهرون على أن تاتي التصاميمُ مُلَبِّيةً لرغبات السكان، مُتجاوبة مع طموحاتهم وانتظاراتهم.

فهل سيتمُّ الإصغاءُ إلى نبض مُجتمع المدينة؟ والاحتكامُ إلى معايير الاستدامة في تَدارُكِ ما عرفتْه وتعرفُه من اختلالات؟ أم ستظل العادةُ مُتحكِّمَةً مُصِرَّةً على إعدادٍ مَكتبِيٍّ للتصميم، ثم عرضِه للتشاورِ السريع، فالتمْرير؟!

نرجو صادقين مُخلصين ـ بعد التجربة القاسية للجائحة، وفي أفق الإعلان عن النموذج التنموي الجديد ـ أن يُهلَّ تصميمُ التهيئة المُرْتقَب بالتحوُّلِ المنشود، والتوازنِ المأمُول، والخيْر المَوْعُود.