adsense

2018/10/22 - 11:57 م

بقلم ابراهيم فارح
لم يكن يخطر على بال حزب جماعة العدالة والتنمية انها ستصل إلى الحكم في ظل الظروف السياسية التي كان يعيشها المغرب، لقد كان اقصى طموحات الحزب الاسلامي ان يعمل على تحسين ظروف مسيرته السياسية.
لكن ثورات الربيع والتغيرات التي شهدها العالم العربي منحت لهذا الحزب فرصة كبيرة للوصول إلى الحكم، لان الحزب في ذلك الوقت كان الحركة السياسية المناسبة للمرحلة، ما جعلها تكون البديل الأوفر حظا في ملئ الفراغ السياسي، وقد استغل الحزب الظرف جيدا وعمل على الحشد والتنظيم.
أعضاء هذا الحزب لم يدركوا قيمة المرحلة السياسية الجديدة التي أوجدتهم في قلب الحدث، ففي الأمس القريب كانوا يتحدثون في الميادين والتجمعات على ان بمقدورهم محاربة الفساد، ويوزعون الوعود يمنة ويسرة وأوهموا الكل بأن المغرب هو الاستثناء الذي سيكون منطلقا لتصدير القيم الديموقراطية في حلتها الاسلامية الى بقية شعوب العالم العربي، ولكن فجأة انهار كل ذلك مثل حلم جميل واستحال كابوسا يقض المضاجع ويمنع من الاستيقاظ.
في حقيقة الأمر لم يكن الحزب جاهزا لممارسة الحكم حيث لم يكن مستعدا لمثل هذه المرحلة، ولم يكن يمتلك الاجابات والخطط لكل التحديات التي وجد الحزب نفسه في مواجهتها سواء كانت تحديات سياسية اقتصادية أو اجتماعية ، لم تكن يافطة محاربة الفساد سوى شعار انتخابي لم يكن بمقدور الحزب أن يحوله إلى خطط وبرامج قابلة للتحقيق
بعد ان أصبح الاسلاميون سادة بلاد المغرب وأولياء أموره في السلطتين التشريعية والتنفيذية كان الكل يعتقد أنهم سيعمدون إلى تطهير مراكز القوى، والسيطرة على مفاصل الدولة من أجل كسر أنفة الدولة العميقة وبالتالي إنجاح التجربة.
إلا أن المعطيات كانت مغايرة لذلك تماما فأول ما قام به الحزب بمجرد انقضاضه على الحكم دخوله في علاقة مصالحة وتصالح مع الدولة، وقد قبل الحزب بمبادئ اللعبة وقام بكل ما هو مفروض من قبل مؤسساتها إلى الحد الذي جعله يأتي بممارسات هي أقرب إلى العلمانية منها إلى مرجعيته المتدينة. ورغم ذلك ظل الحزب يطرق رؤوس المغاربة  بشعاراته وتصريحاته التي تذكر المغاربة بخلفيته الإسلامية وتعظهم بالأخلاق والالتزام بتعاليم الدين.
وما يؤكد فشل الحزب في هذا الجانب الديني الذي كان سر قوته وجذبه هو أنه رغم وزنه الانتخابي والسياسي واستئثاره بأكبر عدد من الحقائب الوزارية فقد فشل في خلق تغييرات في المجتمع المغربي ولم يتمكن من إيجاد نموذج لمشروع مجتمعي جديد، ولعل من أبر تجليات هذا الفشل عدم وضوح علاقة الحزب بجناحه الدعوي حركة التوحيد والاصلاح حيث ظلت هذه العلاقة بين مد وجزر وتتسم بالضبابية وعدم وضوح الرؤية.
وقد تعرض الحزب لهزات عديدة لعل ابرزها سحب تشكيل الحكومة من يد بنكيران واستبداله بالعثماني مما انعكس سلبا على التماسك الحزبي حيث حدثت عدة تحولات تنظيمية (يحاولون عبثا اخفاءها) أبرزها وجود تيارين تيار سعد وتيار بنكيران مما سبب تصادما جليا بين قيادات الحزب، ومن تم اختلافا حول المنهج الأمثل لهذه المرحلة. حيث يعكس هذا الصراع الدائر اختلاف مشروع كلا الطرفين واستراتيجيتهما المقترحة ومن تداعيات هذا الصراع أن أصبح هناك قيادتان متوازيتان، ويظل هذا التشرذم التنظيمي مرشحا للاستمرار إلى ما لا يعلم مداه الا الله .
وخلاصة القول فان الإسلام السياسي في تجربة إخوان بنكيران والعثماني في الحكم قد فشل فشلا ذريعا وعجز عن اعطاء إجابات لإشكالات المجتمع عن طريق شعارات تخليق الحياة العامة.
وسنعود إلى وضع الملف الاقتصادي في ميزان التاريخ ....يتبع