adsense

2018/10/19 - 9:55 م

بقلم سفيان البرنوسي
الكاتب الجهوي للهيئة الإستقلالية للممرضين بجهة العيون الساقية الحمراء
الكاتب الإقليمي للجامعة الوطنية للصحة بالعيون
في إطار الجهود الرامية للرقي بالصحة في العالم، قامت منظمة الصحة العالمية بشراكة مع المجلس الدولي للممرضات والممرضين بإطلاق حملة "التمريض الآن"، والتي تروم الارتقاء بمهنة التمريض وتطوير الممارسة العامة للمهنة وتعظيم دور الممرض في التغطية الصحية الشاملة. كما تسعى أن يكون للممرض وتقني الصحة والقابلات دور أبرز وأساسي في وضع السياسات الصحية قبل نهاية 2020 من أجل الحفاظ على الوضع الصحي في مستويات معقولة.
وفي مقابل كل هاته الجهود الدولية، تبقى المهنة بالمغرب بعيدة كل البعد عن مناخ التطور العالمي وتسبح في عوالم التمني والخطابات المستهلكة دون الدفع بكل الموارد السياسية والبشرية واللوجيستيكية من أجل تحقيق الإقلاع الحقيقي لهذه المهنة النبيلة التي صنفت كأنبل مهنة في العالم سنة 2016 والتي يزداد الطلب عليها مع تزايد النمو الديموغرافي وتحديات العولمة، الشيء الذي يستوجب من السياسات الحكومية المقبلة معالجة هاته المعضلة الحقيقية عبر إجراءات تأخذ بعين الإعتبار حساسية القطاع، أهميته في الحفاظ على السلم الإجتماعي و تطوره في العديد من البلدان حتى القريبة جغرافيا وديموغرافيا.
 وفي ظل عدم استجابة المسؤولين الحكوميين لدعوات الإهتمام أكثر بمهنة التمريض (الخطابات الملكية السامية خاصة للملك الراحل الحسن الثاني سنة 1970) من أجل تغيير الصورة الكلاسيكية والنمطية للممرض الناتجة عن تهميشها والمساهمة الفعالة في الرقي بالمهنة نحو الأفضل، عرف المغرب حراكا تمريضيا موسعا ناتج عن تراكمات إدارية وسياسية لم يعد الممارس قادرا على تقبلها نذكر على سبيل الذكر لا الحصر تدهور الوضع الإجتماعي ، النقص حاد في الأطر التمريضية وغياب الإرادة للنهوض بالعلوم التمريضية، مع غياب مواكبة الحكومة للتطور الذي عرفته المهن التمريضية والتكوين في بلدان العالم، غياب الانصاف في التعويضات المقدمة من بينها الأخطار المهنية وتباينها مقارنة بباقي فئات المنظومة، تكريس الوصاية على المهنة، قلة الاستثمار في التكوين،... إلى غيرها من المسببات التي تجعل من ممارسة التمريض في المغرب كابوسا حقيقيا!!
 وقد سبق لمنظمة الصحة العالمية أن نبهت المغرب في تقاريرها، ووضعته في مصاف الدول التي تعيش أزمة في العمالة التمريضية، وكشفت على أن نسبة تغطية الممرضين لكل ألف نسمة يبلغ 0,90 !!. الأمر الذي يهدد بشكل كبير العرض الصحي المقدم للمواطنين المغاربة بإعتبار أن الممرض هو المقدم الاساسي للخدمات الصحية بنسبة خدمات يناهز 80% من الخدمات المقدمة في المؤسسات الصحية. ولم يقف الأمر عند هذا المعطى بل تجاوزه الى معطى اكثر خطورة وهو أن عددهم في تناقص مهول حيث هوى عددهم من 26494 إلى 25036 في ظرف ثلاث سنوات!! وهذا في ظل سياسات صحية لا تحقق موازنة بين الوافدين الجدد والمغادرين سواءا المتقاعدين أو الهاربين من الأوضاع الصحية المقلقة صوب بلدان متقدمة في الميدان الصحي حيث الظروف أحسن للممارسة السليمة للمهنة.
  ورغم تطبيق نظام الاجازة-ماستر-دكتوراه منذ 2013، إلا أنه لا يعدو أن يكون تعديلا أدبيا و لغويا للمصطلحات و المسميات لم يتجاوز حدود المساحات الورقية التي كتب عليها، دون إعادة النظر في جوهر المنهج التكويني بتجديده و تكييفه مع المتغيرات المحلية و العالمية الحاصلة في علوم و تقنيات الصحة، حيث لم يأتي بالجديد وبقيت الدروس والمواد الملقنة على حالها حيث لم يشملها أي تحديث (اللهم اذا استثنينا شعبة واحدة من أصل 21 تخصصا)، الجديد كان في التنظيم الذي أصبح على شكل وحدات وخفض ساعات الدراسة النظرية والتطبيقية، وتغيير التسميات، كل هذا يترجم مجهودا جبارا خرافيا يحسب لقسم التكوين بوزارة الصحة!!!
ومن الملاحظات التي توضح التخبط في إصلاح نظام التكوين الخاص بالممرضين خصوصا اقرار نظام التكوين الجديد والاستغناء عن تكوين مسيري المصالح الصحية وكذا الأساتذة الدائمين، هي السرعة في التنزيل بعد ضغط الشارع التمريضي ونهج وزارة الصحة سياسة " كَوَّر وعطي لعور " بالنسبة لتكوين الممرضين في مقابل التأني والاستعداد المعقلن عندما يتعلق الأمر بالمدرسة الوطنية للصحة العمومية والتدبير الاستشفائي مع العلم أن الفئات الأخرى أكثر إستفادة من التكوين بهاته المدرسة، وعليه يطرح السؤال المهم: من أين لوزارة الصحة في ظل فترة إنتقالية طويلة الأمد، بأساتذة دائمين ممرضين مُكوَّنين أكاديميا و بمسيرين للمصالح الصحية مُـلِـمّيـن بصغائر و كبائر أمور المستشفيات الخاوية على عروشها؟
ولا يفوتنا التطرق لبعض المشاكل التي لا تقل أهمية والتي يعاني منها العامل بالتمريض والتي تتجسد أساسا في غياب هيئة وطنية للممرضات والممرضين تدافع عن المهنة وتنتصر لها من الدخلاء والممارسات الغير الأخلاقية ومحاولات تكريس الوصاية عليها، الإنصاف في التعويضات المقدمة لهم خاصة التعويض عن الأخطار المهنية الذي يبقى ثابتا في 1400 درهم، في حين أن بعض الفئات في قطاع الصحة تتقاضى تعويضا متصاعدا بتصاعد الرتبة والسلم ويصل إلى حد 5900 درهم ما يثير تساؤلات حول طبيعة المقارنة التي ينهجها المسؤولون وأساسها، فيكفي الإشارة إلى أن التعويض عن الأخطار في بعض البلدان القريبة جغرافيا والمتقاربة من حيث تطور المنظومة، يعطى بحسب نسبة التعرض للخطر وليس فئويا يأخذ بعين الإعتبار السلم والرتبة كما يتم احتسابه من طرف وزارة الصحة!!، ومما يثير الاستغراب الأعداد المتراكمة والكبيرة للممرضين وتقنيي الصحة المعطلين في بلد يعاني نقصا حاداً في الأطر التمريضية .... إلى آخره من المعيقات والمشاكل التي لا تنتهي والتي يعاني منها الممرض في المنظومة الصحية الوطنية.
كل هاته المعطيات تجعل الوضع في المغرب في وضعية حرجة تستدعي تكثيف الجهود من أجل تحيين الخطط ووضع الاستراتيجيات الممتدة في الزمن من أجل النهوض بالعنصر البشري التمريضي والحد من الأزمة الخانقة والإحتقان اللذان يهددان الأمن الصحي للبلاد.