adsense

2022/09/02 - 11:58 ص

بقلم عبد الحي الرايس

في نزولٍ حَذِر بمُنعرجاتٍ شديدةِ الانحدار نحو الشاطئ من أعلى الجبل، لمحت وفاء بائعةَ جُبْن على الرصيف، أوقفت السيارة على عجل، وقصدَتْها، فلها ولعٌ خاص بالجبن البلدي، وعند الاقتراب منها والتحدث إليها أبصرت فيها من نضارة الصبا وملامح الذكاء ما أغراها بتجاذب الحديث معها، سألتها عن الجبن والبيض والرغيف، ووجدت لديها طِلبتها، ثم عن حالها، ففضفضت إليها بأنها تكابد العيش مع زوجها لِيُعيلا أسرة فيها الآباء والإخوة والأبناء.

ثم تكرر المرور والوقوف وتداعيات الحديث، فأنبأتها أنهم يسكنون بيتاً بسيطاً عند أطراف حقل مليء بالصخور، تنبجس في أعلاه وأسفله عيونٌ تتدفق منها المياه.

شدَّ انتباهَ وفاء الحديثُ عن الأرض والصخور والماء، وهي الأستاذة الباحثة المَعْنِية بشؤون البيئة، الشغوفة باستثمار خيراتها، والحفاظ على مواردها، وحمايتها من الهدر والضياع، وأقبلتْ على السيدة هاجر تستوْضحُها أكثر، وتسألها عن السر في عدم استثمار الحقل في زراعةٍ عضويةٍ مُغِلَّة مُرْبِحة، تجتذب المُولَعين، وتُنقذ الأسرة من الخصاص والعوز، فوجدت لديها انشغالاً بالموضوع، وتحمساً للفكرة، ولكنَّ ضيْق ذات اليد، وإكراهات العيش تَحُولُ دون تنقية الأرض من الصخور، وجلبِ الشتائل والبذور، ومتطلباتِ الاستنبات والتعهد.

عندها أوْمضتْ لوفاء فكرة الدعم المشفوع بالسداد، عرضَتِ الأمرَ على هاجر التي تباحثت الموضوع مع الكبار الذين أبدى بعضهم تحفظاً في البداية، وبعد لقاءات وحوار اطمأنت القلوبُ إلى نُبْلِ المبادرة وصفاء الطوية.

وصار على وفاء إنجاحُ الفكرة ووضعُها موضع التنفيذ، فكان منها الإسهام، وتحدثت عن ذلك لمن يقاسمونها نفس الاهتمام في محيطها القريب، فكانت الاستجابة وكان الإمداد، وبُوشرتْ تنقية الحقل من الحجارة التي صارت جدرانا راسمة للحدود، واقية من الانجراف، ثم كان الاستنباتُ والتعهُّد، فجادت الأرضُ البِكْرُ بخيراتها وعطاءاتها، وتلاحق السدادُ والوفاء، في عرفانٍ وامتنان.

تُرَى ! لو تعددت المبادرات، وتنوعت المجالات، وسادت الثقة بين الناس، وعَمَّ المَددُ المشفوعُ بالسداد، هل يعود ثمة إمْلاقٌ وخصاص؟