adsense

2022/08/29 - 12:12 م

بقلم الأستاذ حميد طولست

عادة ما تشتَعِل عزائم الممتحَنين ، كلما قربت مواعيد الامتحانات ، وتتوقَّد هِمَمهم ، وتَتضافَر جهودهم استِعدادًا للخوض غمارها بمختلف أنواعها ومستوياتها الدِّراسية والمهنية والحياتية وباقي صنوفها التي يَعِيشون خلالها هموم إدرك احتمالات الخسارة أو المخاطرة ، التي غالبا ما تُشعِر بالخوف الكافي لشل كل تفكيره أنجب المُمتحَن ، وتنسيه معظم ما احاط به من معارف ، وإطلع عليه من علوم ، والخوف الذي يصل عند البعض إلى نوبات هلع مفاجئة تحفز ردود أفعال جسمانية هستيرية شديدة  تجاه الأسئلة/ الألغاز المبددة للاحلام والتطلعات التي كان الممتحَنون ،بفتح الحاء، يرومون تحقيقها ، من تلك الإمتحانات ، التي تشكل مصدر إحباط لمبتغياتهم ، وسبب تغيّير لطبيعتهم المرحة وطبعهم الفُكاهي ، وتحويلهم إلى كتلة من الصمت واليأس والبؤس ، بما يبتكرونه من أسئلة لا تكون قط مباشرة وغير معقدة ، كما يحدث عندما يريدون السؤال عن اسم الممتحَن ، فإنهم بدلا من أن يقولوا بكل بساطة: "ما اسمك؟" يقولون : ما هو الإسم الذي أطلقه عليك أهلك مند رأيت نور الحياة، ما يؤثر على أحوال الممتحَن ، ويزيد من ضغوطاته النفسية والوجدانية ، ويجعله يضطرب في الإفصاح عن اسمه وكأنه لا يعرفه أو أيشك فيه.

أنا هنا لا اتحدث عن الإمتحانات من فراغ ، بل انطلاقا من معرفة ودراية وتجربة طويلة معها ، حيت من الذين قضوا جزءا لا بأس به من سنوات العمر وهم في خضمها ، إما أُمْتحَنين ، أو عندهم امتحانات ، أو أينتظروا الإمتحانات ، أو يدرسون للإمتحانات ، أو يحلمون بالامتحانات ، وفي مختلف وأحوالهم يكونون خائفين من الإمتحانية ، وأتذكر جيدا أن أحوالي في خضم الامتحانات كنت دائما: إما خائف من الامتحان ، أو مترقب لنتائج الإمتحان ، التي لم أكن دائما موفقا  في مجملها ، وغالبا ما كنت أفشل حتى في الغش فيها ، والذي لم أكن مبدعا فيه ، حيت كنت أتوقف بالمنتصف وأعدل عنه، حتى حين تكون الظروف مواتية ، ويستغلها أمامي العديد ممن لم يكن تفوقهم في المدرسة نتيجة لنبوغهم ، وإنما لإصرارهم على النجاح بأي طريقة ، ما يجعل الاختبارات والامتحانات تحيد عن الهدف الذي وجدت من أجله ، والذي يختزل في أنه معيار قياس مستوي شخص ما ، ووسيلة للتعرف على قدراته المعرفية او مستواه الذكائي أو ملكاته الخبراتية ، والتي تبقى في كل الأحوال مصدرا للقلق والتوتر الذي يدفع بالممتحَنين إلى الدعاء على الممتحِنين ، بكسر الحاء، مرددين حسبنا الله ونعم الوكيل في من إبتدع نظام الامتحانات ، الذي تبدأ معه رحلة معاناة الممتحَنين مع الحفظ والفهم والاستنتاج،  والتنافس للحصول على أعلى التقديرات ، الأمر الذي دفع بي للبحث والتنقيب عن هوية مخترع فكرة نظام الامتحانات المربك لكافة الطلبة المجدين منهم والكسالى والمتهاونين، فوقفت على آراء متباينة ، أشار بعضها إلى أن رجل الأعمال الأميركي "هنري فيشيل" Henry A. Fischel، هو من كان وراء ذلك الاختراع ، لكن مصادر تاريخية أخرى اشارت إلى أن الأمر أقدم من ذلك بكثير ، حيث أن أول من استخدم الامتحانات التحريرية هم الصينيون ، أنشأتها أسرة سوي عام 605م، وكان أيامها يسمى الامتحان الإمبراطوري، لأن إمبراطور الصين كان يختبر الموظفين مرة كل ثلاث سنوات ليقيس مستواهم الفكري لترقيتهم للمناصب العليا أو فصلهم ، النظام الذي انتشر بسرعة في الدول الآسيوية المجاورة، مثل فيتنام وكوريا واليابان، وباقي العالم الغربي، قبل تلغي أسرة تشينغ ذاك النظام في عام 1905 ، لكن بعد –خراب مالطا-كما يقولون ، أي بعد أن انتقل إلى النظام التعليمي، وأصبح آلية من آلياته الثابتة والواضحة والعالمية ، إلى أن الغته فنلندا وحرر  نظامها التعليمي منه ومن الواجبات المدرسية ، حيث لا يخضع الطالب الفنلندي للامتحان السنوي الموحد إلا مرة واحدة فقط تكون في نهاية المرحلة الثانوية، الإلغاء الذي لم يكن مستحدثا في النظام التعليمي عبر العالم ، إذ أن النظام التعليمي العربي القديم ، كان حرا خاليا من الامتحانات، ولا يشترط فيه على المتعلمين تأدية امتحانات معينة، وكانت الشهادات تمنح من الأساتذة للطلبة المجتهدين دون امتحان، قبل أن يتغير الأمر بفرض الإمتحانات على طلاب العلم ، كما ذكر ذلك "ابن أصيبعة" في كتاب "طبقات الأطباء" بأنه نظم امتحانا لأطباء بغداد في عهد الخليفة المقتدر في القرن العاشر الميلادي، وكان امتحانا شفويا ، وهكذا نشأ نظام الامتحانات، سواء الشفوية أو تحريرية، وتطور وانتقل إلى نظام التعليم الحديث، وأصبحت آليات الامتحانات ثابتة وواضحة وعالمية.

وأختم هذا الهدر عن الإمتحانات بالمقولتين الشهيرتين:" التعليم ينشئ المرء، لكن الإمتحانات هي ما تصقله" و"في المدرسة يعلّمونك الدرس ثم يختبرونك، أمّا الحياة فتختبرك ثم تعلّمك الدرس"..