adsense

2022/08/16 - 3:00 م

بقلم عبد الحي الرايس

في بلادي قُرى عديدةٌ مُهمَلةٌ مُتناثرة، في السفوح والجبال، وعلى ضفاف البحيرات والوديان، تُتْرك لحالها، معزولةً عن مجالها، تواجهُ قَدَرَها ومصيرَها، تعزلها الثلوج، وتجرفها السيول، وتلتهم بيوتها النيران حين تجتاح الحرائقُ الغابات، يتهددُ الموتُ حوامِلَها في طوْر المخاض، تجني ناشئتُها تَبِعاتِ العزلة فلا تنال تعليماً ولا تطبيباً، وتُتركُ في أسمالها دون أن تحظى بأي رعاية أو اهتمام.

يُداعبُ قُرانا الطموحُ حين يتناهى إليها حديثٌ عن العدالة المجالية، فتتوق إلى هيكلة وتنظيم، وتأطير وتجهيز.

وتنتعش لديها الآمالُ صيفاً حين تَخُصُّها الوكالاتُ الحضرية بزيارات للتواصل والإرشاد والتحسيس.

ولكنَّ الصيف يمضي، ومع تساقط أوراق الخريف تتهاوى لديها الأحلام في التنزيلِ والتفعيل، والحُظوة بتصميمِ تهيئةٍ وحُسْنِ توجيه.

وتَزورُ أمصاراً أخرى، فيبهرُكَ حالُ قراها بدقةِ تصميمها، وبهاء منظرها، ونضارة أهاليها، وتكامُل خِدماتها، وتَهُولُكَ المفارقة، وتُدرك لِلتَّوِّ أن إكسيرَ التصحيح يظل رهيناً بالاهتمام العادل، والتعميم الشامل.

وعند الأوْبة إلى الذات تَذْكُرُ أن العدالة المجالية توجيهٌ يُعلَن، وشعارٌ يُرفَع، وليس يُدْرَى متى يُكْسَبُ رهانُهُ ويُرْبَح.

هو في بَدْئه يستهدف الجهات، وإلى حَدٍّ ما مُدُنَ هذه الجهات، التي ران على كثير منها الإهمال والنسيان، فمتى يأتي الدورُ على قرى بأعالي الجبال، وفي أقاصي البلاد؟

والحال أن العديد منها تزخر بعيون دافقة، وتجود بغلال وافرة، وتُطل على مناظر آسرة، مما يُغري بأن تُشَدَّ إليها الرحال، وتُعَدَّدَ بها مشاريع الاستثمار، ولكن مخاطر المسار تثني العزائم، وتجعل الوصول إليها ضرباً من المُحال.

وإلى عقود قليلةٍ خَلَتْ، كان لنا جارٌ في الشمال، يشكو نقصاً في التجهيز، ويُشارف بأهاليه حَدَّ الإملاق، وعندما لمستْهُ يدُ التغيير، وإرادة الإصلاح، تسارعتْ لديه وتيرة الأشغال، وشملت مدنَه وقراه مسيرةُ النماء، فأعطى النموذج والمثال على عدالة مجاليةٍ عَمَّتْ كلَّ الأرجاء.

واقعٌ يُوجِبُ التشخيصَ والمُكاشفة، وتَطَلُّعٌ يقتضي التفعيل والمُسَارعة