adsense

2020/12/27 - 3:23 م

بقلم عبد الحي الرايس

بَلَدَان شقيقان جاران، دأب أحدُهما على نَعْتِ الآخر بالمُحتل، وَوَصْفِ نفسِه بِالمُسَاندِ للحق، الدَّاعِي إلى التحرير، عن طريق استفتاءٍ يُقرِّرُ المصير.

كلامٌ ظاهرُه حقٌّ، وباطنُه يسْتدعي التمحيصَ والاحتكامَ إلى العقل:

لو أن هذا المقطعَ من الصحراء كان دولةً قائمةَ الذات، لها جذورٌ في التاريخ ككيان مُستقل، تعرَّضتْ للاستعمار من دولة أجنبية تقاسمتْ مع غيرها الهيمنة على دُوَلِ المنطقة، وبعد انسحابها أقبل البلدُ القريب يَسْطو عليها، يُعذبُ أبناءها، ويسْتنزف خيراتِها، لجاز الحديثُ عن مُحْتلٍّ يَحُلُّ مَحلَّ مُسْتعمِر.

بَيْدَ أن واقعَ الأمْرِ هو أن الجزءَ كان بعضاً من كلٍّ، له إثباتاتُهُ بوثائقَ ووقائعَ تاريخية، وبشهادةٍ من محكمة العدل الدولية، وبَعْدَ الضَّمِّ والاسترجاع، سار بِخُطى حثيثةٍ نحو التشييد والبناء، وتسريع وتيرة النماء، ومنه انطلق العديدُ من الأعلام من الجنوب نحو الشمال ليكون لهم ـ في الحاضر كما كان عليه الحال في الماضي ـ موقعٌ وشأنٌ في اتخاذ القرار، وفي تحديد معالمَ جهويةٍ تَضْمَنُ حُكْماً ذاتياً له صلاحياتُه في حسن التدبير، وحكامة التسيير.

ولكن الذي حدث وما زال يحدث ـ وبصُورةٍ نَمَطية ـ أن الجار الشقيق آثر احتجاز بعض أهالي الصحراء لعقودٍ متتالية، في ظروف قاسية، وبخيام على كثبان رملية، في غياب أي تجهيزات حضرية، وسَلَّطَ عليهم مُتحكِّمين صَنَعُوا رَايَةً، وأعْلنُوا عن دولةٍ في الخيامِ بلا كيان، أغْدَقَ عليهم من المال ما به يتنقلون في الآفاق، مُرَدِّدينَ على مَرِّ الزمان معزوفةَ الحديثٍ عن الاحتلال، والمطالبةِ بالاستفتاء، وواقعُ أمْرهم يُنبئ عن زَيْف مزاعمهم .

ـ هذا الزيف كشفته إعلامية أجنبية، عاشقة للحرية، مُتحمِّسة لحقوق الإنسان، نظَّمَتْ رحلة انطلقت فيها من الوقوف على واقع محتجزين في الخيام، عاينت فيه مظاهر التجويع والإهمال، وتشديد المراقبة والحصار، والاستهداف للعنف والاغتيال، ثم واصلت سَيْرها نحو مُدن آمنة تنعم بالوحدة والاستقرار، وترفل في حُلل الكرامة والنماء، لتتكشف لها المفارقة صارخةً من غير تمْويه ولا ادِّعاء.

ـ ولو شئنا تلخيصاً لحال الجار الشقيق لألفيناه عانى طويلا من ويلات الاستلابِ والاستعمار، وبدعم غير مشروطٍ من جيرانه الأشقاء، نال الحرية والاستقلال، وبدلاً من أن ينخرط في ركب بناء الوحدة وتحقيق النماء، آثر الانتصارَ لتثبيت مُخلَّفات الاستعمار، فشتَّتَ أُسَراً في يوم عيدها، وأضاع أرزاقها، وأقام الحواجز بين البلاد وجارتها، وركِبَ موجةَ التسلُّح على حساب رفاه الشعب وتحقيق التقدُّم، ثم أفْردَ حَيِّزاً هاماً لدعْم الدعوة للانفصال، وتكريس التخلف وتعزيز الشتات.

ولعل المتتبِّعين الْمُنصِفين، وهم يقفون على هذه المفارقات، يكشفون زيْفَ الادعاءات، وتهاوي الشعارات، وينتهون إلى أن المنطق العام يدعو إلى الوحدة ولم الشتات، والتأليف بين الشعوب وتعميم الخيرات، ونبذ الصراع والخلافات، وأن ما سوى ذلك هو حق يراد به باطل، ويقوم شاهدا على منطق معكوس، يُكرِّسُ المزاعمَ والأوْهام، ويحول دون تحقيق الازدهار والرخاء، وتعميم الوئام والسلام.